نالت المرأة النصيب الأكبر من المعاناة الإنسانية داخل الحرب السورية، فتحولت النساء إلى ضحايا تعاني الشوق والألم والفقدان والموت والفقر والتهميش وانعدام الحقوق الاجتماعية، لكن الدور الأبرز للمرأة لم يكن على صعيد المعاناة والصبر، بل إنَّ بعض النساء قررنَ أن يواجهنَ الواقع ويغيرنَه بالإرادة والإصرار والعزيمة التي استطاعت أن تحول النساء السوريات من ضحايا للواقع إلى بناة للمستقبل يقفنَ على خط الدفاعي الأول لجبهة حقوق الإنسان التي تتهاوى أمام جشع النظام وأعوانه، وعلى مدى سنوات الثورة السبع ارتبط اسم المرأة السورية بالثورة والكفاح … بالأمل والعلم والعمل…
إلى جانب النشاطات التي قدمتها المرأة السورية في مجالات الإعلام والتعليم، كانت بصمتها الأبرز في المجال الإنساني الذي يتمحور في الدفاع عن الحقوق وتصوير النقص والدعوة إلى تأمين كافة الحقوق لأفراد المجتمع رجالاً وأطفالاً ونساء.
ومن بين النساء المدافعات عن حقوق الإنسان تطلُّ (نيرمين) من بين ذكرياتٍ وأطلال تركت في نفسها دافعاً لتكون صوتاً للمرأة والإنسان، تدعو للتعليم وتصارع في سبيل تعلم المرأة في كلِّ مكان، في المدارس والجامعات والمخيمات، ستروي لنا قصصاً تحمل شخصياتها ألمَ البؤس وشدةَ البَأس.
متى التحقت نيرمين بالعمل الإنساني ولماذا؟ وكيف تدافع المرأة عن حقوق الإنسان؟ وما أهم النشاطات التي قامت بها؟
إرادة قوية ومعاناة ذاتية
تخرجت نيرمين من كلية التربية عام 2009، عملت في التدريس لكنَّها انشقت عن مؤسسات النظام والتحقت بالعمل داخل المناطق المحررة، فعملت في جامعة إدلب في المناطق المحررة قبيل تأسيسها، استُشهد زوجها وهو ضابط منشق عن نظام الأسد، لكن ذلك لم يثنها عن العمل للنهوض بواقع المجتمع السوري والدفاع عن الحقوق الاجتماعية لأفراده، فنفضت غبار السنين ورفعت لواء الإنسانية وقررت أن تؤسس رابطة المرأة السورية المتعلمة، وهي مؤسسة تسعى لتمكين المرأة وتقديم كافة الاحتياجات المادية والمعنوية والنفسية والمهنية والعلمية لها ولو بإيصال صوتها وآرائها للمجتمع لتفعيل دورها فيه، كما تقوم الرابطة بأنشطة مختلفة تخص الأطفال في مجال الدعم النفسي والترفيه.
بداية الرحلة
عملت نيرمين في المخيمات، فكانت الرائدة في مجال التمكين وتنمية المرأة مهنياً وتعليمياً ودعمها نفسياً ومحاولة إيصال صوتها والنهوض بأفكارها، كما ساهمت نيرمين بعدد من البرامج الخاصة بتنمية فئات المجتمع المختلفة، ناهيك عن عملها في جامعة إدلب، فنالت بذلك ثقلاً مجتمعياً مكنها من الوصول لعدد أكبر من النساء اللواتي يعانين من آلام الحرب، لكن ما هي الآلام التي يمكن أن تعاني منها المرأة؟ وهل واجهت نيرمين حالاتٍ خاصة توضح ذلك؟
تروي الآنسة نيرمين: “كانت صماء في خيمة صغيرة في أحد المخيمات، يا إلهي كيف لفتاة صماء أن تعيل أسرتها؟ الأم العاجزة وابنة الأخ الصغيرة وملامح الخيمة البائسة، لم يكن هناك شيء يدعو للتفاؤل، لكنني كنت سعيدة جداً في خيمتها، شاهدت المنتوجات والدمى الصوفية التي أنتجَتْها بعد التحاقها بدورات التمكين المهني التي قامت بها رابطة المرأة المتعلمة.”
هذه إحدى القصص التي ساهمت نيرمين في معالجتها من خلال تأسيسها لرابطة المرأة المتعلمة.
بعد تحرير إدلب كانت البداية، بدأت رحلة الدفاع عن الحقوق المسلوبة، حقوق المرأة في التعليم والعمل والحياة الكريمة من خلال برامج التمكين والدعم النفسي والورشات التدريبية والتعليمية.
الخطوة الأولى: رابطة المرأة السورية المتعلمة
تقول الآنسة نيرمين: “كانت آلام الحرب السورية أشد تأثيراً على نسائنا وأطفالنا، فأحببت القيام باي خطوة، فقررت تأسيس رابطة المرأة المتعلمة في مدينة إدلب وتهدف الرابطة إلى:
– الوقوف إلى جانب المرأة ودعمها نفسياً وتعليمياً ومهنياً، وذلك من خلال تقديم الدورات التدريبية المهنية والورشات وجلسات الدعم النفسي وحل المشكلات.
– برامج دعم الأطفال: تهدف إلى الدفاع عن حقِّ اللعب والتعليم لدى الأطفال، وتأمين كافة الحقوق لهم.
– المعارض النسوية: يتم فيها عرض المنتوجات والأعمال النسوية التي قامت بها النساء اللواتي التحقنَ بدورات التمكين المهني التي تقيمها الرابطة.
– حملات التوعية: تهدف إلى توعية طبقات المجتمع وتعريف كلِّ فرد بدوره داخل الثورة لاسيما المرأة من خلال إبراز دورها وحلِّ مشكلاتها وتوعيتها بحقوقها وواجباتها.
العمل في الأماكن الخطرة
“تتركز معظم نشاطاتي في إدلب مع بعض ورشات التمكين المنتشرة في مخيمات الشمال السوري، استطعت أن أضع بصمة في كلِّ الأماكن التي عملت بها خاصة أنَّ المرأة تستطيع أن تلتمس قضايا يصعب على الرجل إدراكها والخوض فيها، كما يمكن للمرأة السورية أن تكون قيادية وتدافع عن حقوق الإنسان وتسعى إلى جانب الرجل نحو تأسيس مجتمع راقٍ بمكوناته وغاياته، خاصة أنَّه لم يبقَ أحد لم يعانِ من ويلات الحرب ممَّا أكسبنا قدرة على الإحساس بمشكلات الآخرين والسعي لحلها.”
تتابع السيدة نيرمين مسيرتها التعليمية في جامعة إدلب قسم الدراسات العليا اختصاص تربية الأطفال، كما تقوم بتربية ابنها الذي يبلغ من العمر ثمانِ سنوات، تحدَّت نيرمين ظروفها فاستطاعت أن تكمل دراستها وتساعد في تنمية المجتمع السوري، فكانت المعلمة والمدافعة عن حقوق الإنسان والمربية لطفلها، لتكون بذلك مثالاً عن عدد كبير من النساء السوريات اللواتي لم تزدهنَّ النائبات إلى صلابةً وإصراراً ورغبة في تغيير الواقع وبناء مجتمع تسود فيه الحقوق وينعم أبناؤه بحقوق التعليم والمساواة وباقي الحقوق الاجتماعية والسياسية.