في هذا اليوم لن نحتفل في شوارع الكلاسة، وبستان القصر، وصلاح الدين، ولن نرفع علم الثورة في الشعار وساحة بزة، والميسر وطريق الباب والسكري، ولن نقف على أطلال وعمارات مساكن هنانو المدمرة، لن نمشي بالقرب من خط النار في سيف الدولة والإذاعة، ولن نشرب قهوتنا في سهرات ليليّة طويلة في شوارع حلب التي لا تنام على الرغم من مرارة حربها.
لا يمكنك أن تتجاهل التجربة القاسية في هذا اليوم، ليست حلب فقط، فمن داريا إلى الوعر سقطت مدن كثيرة على امتداد سوريا الثورة، وهُجر أهلها في مشاهد لا تقل ألماً عن مشاهد الموت والدماء التي ما زالت تشهدها كلَّ منطقة أقسمت من أجل حريتها، وعلى الرغم من كل هذا، ما يزال الأمل يدغدغ زغردات النصر في قلوبنا المتعبة، لنجدد العهد بكلِّ العزيمة التي منحها الله لرجال يأنفون العار ويعرفون أنَّ الموت أمرٌ لا بدَّ منه، فمن العار أن تموت جبانا.
خرجنا من بيوتنا ونحن نعلم أنَّنا أمام خيارات مرهقة، لكن لم ولن تكون الهزيمة إحداها، فهذه الثورة لم يعد ينفع أن تهزم أبداً، لقد صارت التكلفة باهظة جداً، وأمانة الدماء التي نحملها في أعناقنا، وأحلام المعذبين في السجون الذين نسمع صراخهم كلَّ يوم، تفرض علينا أن نحقق نصراً ما، يكون على قدر التضحية.
ليست محاولة لرفع المعنويات، على الرغم من أنَّ هذه المحاولة مشروعة ما دام هناك صوت واحد يهتف للحرية التي أخرجتنا من صمتنا المطبق، لكنَّها حقيقة يستطيع أن يراها كلُّ من تابع مسيرة ثورة مليئة بالخيبات منذ ست سنوات ماضية، ومع ذلك تستمر بشكل أقوى في كلِّ مرة، لتعلن أنَّ الهزائم ليست سوى نار تُشحذ بها همم المؤمنين بإنسانيتهم وحقهم في الحياة الكريمة العادلة، وتشعل الثأر الكبير في داخلنا من كلِّ المجرمين في هذا العالم، وتجعل إقامة الحق واجبا لا يمكن التخلي عنه لشعب يحب الحياة ويرى أنَّها تستحق أن تعاش بآدمية البشر وليس بتوحش الغابة الكبيرة المحيطة بنا.
لم يعد لدينا ما نخسره حقيقةً، خسرنا كلَّ شيء ممكن أن يشعر الإنسان بخسارته، الأهل والأصدقاء، والذكريات، ملاعب الطفولة والحارات العتيقة، قصص الحبِّ التي غابت خلف دمار ما.. في كلِّ بقعة أرض من هذا الوطن، خرج أناس يحملون كلَّ أنواع الخسارات الممكنة في داخلهم، لكنَّهم يعضون بأسنانهم على ما تبقى من وطنهم، فكلُّ الخسارات والضربات الموجعة التي تلقوها ما زالت غير قادرة على إعلان هزيمتهم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي