غسان الجمعة |
يقترب (جو بايدن) في السباق إلى البيت الابيض أمام منافسه الجمهوري (ترامب)، وبعيدًا عن جعجعة الأخير تبقى المؤسسات الأمريكية هي الضامن الوحيد لعملية انتقال السلطة في الدولة التي تقود العالم بشتى مجالاته، وفيها يؤثر توجّه الناخبين على صنع سياسات دول، وبناء خطط لمؤسسات وكيانات لا تقل ثقلاً وحجمًا عن الولايات المتحدة نفسها، فما الذي يعني وصول (بايدن) إلى البيت الأبيض وإقصاء (ترامب) في المشهد العالمي عمومًا والملف السوري خصوصًا؟
البداية من وسائل الإعلام الغربية التي كان لها الدور الأبرز في الحقيقة بالتأثير على الناخب الأمريكي بدعم من قبل كبريات الشركات التي أذاقها ترامب الأمرين، والتي تمكنت عبر شبكاتها العميقة من الدخول في المعادلة، ومنها شركات صينية وأوروبية، بل إن تويتر نفسه كان دقيقًا مع أي تغريده متعلقة بترامب خصوصًا والانتخابات عمومًا، مع تسريبات عن نية الشركة إقفال حسابه بسبب انتهاكاته لهذه الانتخابات بالتوازي مع خروجه من البيت الأبيض.
انتصرت الحركات واللولبيات المعارضة للشعوبية التي راهن عليها ترامب، وخذلته في امتحانه الحقيقي، انتصرت القيم التي وإن كانت لا تطبق في عالمنا، إلا أن عصيانها ومخالفتها كان أمرًا شائنًا قبل ابتذالها من قبل ترامب قولاً وفعلاً.
الديمقراطيون اليوم، وعبر جو بايدن، لن يحدثوا تغيرًا جوهريًا في سياستهم الخارجية بالقدر الذي سيغيرونه بأساليب هذه السياسة، فكلمات مثل (ادفعوا، وقاتلوا معنا، واطردوا المهاجرين..) لن نجدها في تغريدات بايدن أو تصريحات فريقه السياسي، لكن هذا لن يمنع حدوث صفقات من تحت الطاولة وإبرام الاتفاقات سرًا.
دوليًا ليس مقلقًا فوز بايدن على ترامب، إلا لروسيا وتركيا، فكلاهما بنى مع ترامب علاقات شخصية ومؤسساتية، وسيضطرون الآن للتعامل بسياسة جديدة تتسم بالغموض والريبة، بل إن بايدن قد أعلن صراحة رأيه في أردوغان ووصفه بالمستبد الذي يجب دعم معارضته للإطاحة به.
أما عن الصين والأوربيين وإيران فإنهم يرون في بايدن أهون الشرين في مجال التعامل مع العقوبات الاقتصادية والشراكات الإستراتيجية بالنسبة إلى الأوربيين مثلاً،
إذ إن الديمقراطيين ينتهجون في سياساتهم الخارجية التعامل الناعم والابتزاز الهادئ في أقصى درجات الاستعصاء، على عكس الجمهوريين وممثلهم الآن ترامب، وخير مثال تعامل أوباما مع إيران وتعامل ترامب معها في السنوات التي أعقبت أوباما.
وبالنسبة إلى الملف السوري لن تتغير السياسة الأمريكية كثيرًا إلا من خلال أمرين: الأول الرغبة الكبيرة للديمقراطيين للاستثمار في الورقة الكردية في المنطقة وخصوصًا في احتواء تركيا، ممَّا يعني المزيد من الضغوط على الأسد وحلفائه وتركيا، والآخر لن يسمح الديمقراطيون لبوتين اللعب معهم على المستوى الإستراتيجي في الشرق الأوسط بمفهوم الصفقات السريعة التي كان يبرمها مع ترامب وإدارته.
معادلات ستتغير فيها مواقع اللاعبين التي ستنعكس على النتائج بالطبع، فالضغط على تركيا لن يكون لحساب جنوحها لروسيا واللين مع إيران في سورية وغيرها، ولا يعني تفردها في المنطقة، فالحسابات الآن تتجه لبناء توازنات جديدة يجب علينا استثمارها وطرح ما لدينا من نقاط من الممكن أن نكسب فيها حلفاء جدد بمصالح متقاطعة.