بقلم راوية عبد الرحمن
خوف، قلق، توتر، اكتئاب …
كثيرا ما تتكرر هذه الأحاسيس عند الطفل في مرحلة التعليم الأولى عندما يعلم أنَّ المدرسة تقرع أجراسها لاستقبال عام دراسي جديد، وربَّما يتطور هذا الإحساس ليصل إلى درجة البكاء والإصرار على البقاء في المنزل وعدم الذهاب إلى المدرسة، ويزداد الأمر سوءا عندما تظهر على الطفل الاضطرابات النفسية التي تجعل المعالجة صعبة نوعا ما.
تعتبر الفترة الأولى من حياة الطفل مهيأة لاستقبال الكثير من المخاوف التي تقض مضجع هدوئه واطمئنانه، فعندما يتحدث الوالدان عن اقتراب موعد دخوله المدرسة يحس الطفل بالخيفة ويظهر الخوف من العالم الخارج عن المحيط الأسري والاجتماعي، ويحس بالقلق والخوف الشديدين، خاصة في ظل الحروب التي تعيشها بلادنا.
لماذا الخوف من المدرسة؟
لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الأب والأم قد يسهمان في تعزيز الخوف من المدرسة من حيث لا يعلمان، كأن يتعلقا بابنهما تعلقا كبيرا يبعث على القلق والتوتر عند غيابه، خاصة في مثل هذا الوقت الذي تعيشه سورية، ومن الطبيعي هنا أن يحدث ما يسمى بتبادل المشاعر عند الأبناء، فيزداد تعلقهم بآبائهم وأمهاتهم على نحو يؤدي في النهاية إلى القرار بترك المدرسة والبقاء بقربهما، ولولا الوعي عند الآباء الكبار بضرورة تعليم طفلهما لسبقوه إلى هذا القرار الطفولي.
أعراض الخوف من المدرسة:
من الأعراض الأولى اضطراب النوم، والصعوبة في الاستيقاظ باكرا، والقيام إلى المدرسة بكسل، والإحساس برعب يجعل قلب الطفل يزداد خفقانا كلما اقترب من مبنى المدرسة، وربما يصيبه صداع أو إقياء.
وتختلف هذه الأعراض باختلاف المرحلة التي يمرُّ بها الطفل في مراحل المدرسة الأولى، فكثير من الأطفال تظهر عليه عوارض البكاء الذي يصل إلى حدِّ النحيب، وذلك بسبب انفصالهم عن والديهم، ممَّا يزيد من تعلقه بهما واعتماده عليهما، وفي مراحل أخرى يظهر الرهاب المدرسي بعد حالة من التأقلم والتوافق مع المدرسة، فيميل الطفل إلى بقائه في المنزل، ويطلب من والديه إخراجه من المدرسة لسبب يبدو غامضا، وهو أنَّه لا يحبها وحسب.
موقف الأهل من الرهاب المدرسي:
أكثر الآباء والعاملين في الحقل التربوي التعليمي يرجعون دوافع الطفل في عدم الذهاب إلى المدرسة، إلى الدلال الزائد، وتكاسل الطفل، فيقوم مثلا بتمثيل دور المريض على الأبوين، وهنا تبدو المشكلة كبيرة إذا ما علمنا أنَّ علاج الدلال والتكاسل يختلف عن علاج الرهاب، فعلى الآباء بداية أن يتفهموا الطفل جيدا، وأن يتذكروا أنفسهم عندما عاشوا هذه الفترة من حياتهم، وأن يبدؤوا معه الحوار الهادئ المتفهم لهذه المرحلة الحساسة من عمر طفلهم، ليساعدوه على تهدئته وزرع بذور الاطمئنان في نفسه.
وهنا يجدر التنبيه على ضرورة تقبل المرحلة العمرية للأطفال، وألا ينتظروا منهم ردود الأفعال التي تصدر عن الكبار، وأن يحذروا من فعلين:
الأول: التجاهل أو المواجهة بالعنف الحسي أو المعنوي والاستهانة بالطفل، كقول بعضهم لأطفالهم: (ستبقى جاهلا ولن تتعلم، المدرسة ليست لأمثالك، أنت لا تريد الذهاب إلى المدرسة لأنك غبي، يجب أن تذهب إلى المدرسة وإلا ستضرب…)، وقد يتعدى الأمر ذلك عند بعض الآباء فيقوم بعملية المقارنة بين ابنه وأحد الأطفال، فيقول مثلا: (أحمد ابن أخي بعمرك، وهو متفوق في دراسته، أما أنت فكذا وكذا) وعند هذه المقارنة تتحطم آمال الطفل ويشعر بعقدة النقص، وربَّما يصل الأمر إلى درجة أخطر من هذه عند الأب المريض نفسيا، فيقوم بالاستهزاء بزوجاته وأقاربها، وذمها والاستهانة بها أثناء قيامه بالعنف اللفظي، فيقول مثلا: (أنت غبي مثل أمك ولذك خليك بجانبها ولا تذهب إلى المدرسة، أنت طالع لخالك ما بتفهم شيء، هذه تربية أمك وطلعت مثلها..).
الثاني: هو مسايرة الطفل والمبالغة في إظهار الشفقة عليه، وإظهار الخوف من الرهاب الذي يجتاح الطفل، وهذا واضح على سلوك الأمهات أكثر من الآباء، مَّما يزيد من حدة الاضطرابات الانفعالية ويؤثر في صحة الطفل النفسية.
وفي النهاية ننبه الآباء على ضرورة الاستشارة النفسية والمبادرة إلى التشخيص والعلاج النفسي في الوقت المناسب، لأنَّ التغافل عن أعراض الرهاب من شأنه أن يؤخر الشفاء منه