يمامة الأسعد |
يراودني شعور غريب عندما أقلب في محادثات الواتس، لانتقل من أنشودة للساروت إلى نعي إلى نقد إلى كلام منقول عنه عن غيره…
يموت العشرات كل يوم ويموت، ومات في سبيل طلب الحرية الكثيرون..، لكن الساروت أثر فينا أكثر بعباراته وصوته وخفقات قلبه التي شهدها الكثير منا.
كان الساروت مُلكًا للجميع، أما أولئك الأطفال فكانوا مُلكًا لأهاليهم فقط، لا يشعر بوجع فراقهم إلا هم، في حين أحسسنا جميعًا بوجع فراق الساروت.
لم تكن الكلمات تكفي حتى توصل كمَّ المشاعر التي اجتاحت الناس في تلقيها لخبر موته وأنا واحدة منهم، أحسست بتلك الغصة التي مزقت شيئًا بداخلي، قليلاً ما يشعر بأولئك الذين ماتوا بصمت دون تشييع.
أعلم جيدًا أن شخصية مثل الساروت لا بد أن تكون رمزًا وتكون مؤثرة في قلوب الجميع، فحين كان يصدح بصوته وتتمايل خلفه الأصوات كان يشعل نار الثورة في قلوب المتابعين خلف الشاشات.
أذكر ذات مرة أنى بكيت طويلا عندما كنت أسمع أغنية: ” يايما بثوب جديد زفيني جيتك شهيد” على ذكرى استشهاد أخي الذي لم نتسلم جثمانه لنشيعه كما الشهداء.. بكيت طويلاً على أمل أن أغسل من قلبي ذلك الحزن الذي ما انفك يصرع لحظات الفرح التي كانت تمر خلسة في دقائق أيامي.
كم وكم بكى على صوتك باحثون عن النسيان ليطببوا جراح قلوب النازفة المًأ على من فقدوا!! بكوا لمعاودة قبول الحياة بعيدًا عن ذكرى الموت التي شقت طريقها إلى قلوب جميع السوريين.
عبد الباسط الساروت ولد في 1992 ويعود أصله إلى الجولان، كمان كان حارسًا في فريق شباب نادي الكرامة، والتحق بالثورة منذ البدايات، فقاد المظاهرات في حي البياضة الذي نشأ فيه.
عاش الساروت الحصار في حمص لأكثر من سنتين، قبل خروجه في 2014 إلى ريفها، ثم إلى الشمال السوري لينضم إلى الثوار، ونجا من عدة محاولات اغتيال.
سبق الساروت في الاستشهاد أربعة أخوة له ووالده ليلحق بهم إثر إصابته في معركة تل ملح.
سيبقى صوتك يرجف في قلوب المكلومين كما ترجف الدمعات في مقل العيون، وسيبقى ممرًا تعبر عليه آهات أمهات الشهداء، سأستمع دائًما إلى صوتك كي أذكر أخي وكل الملايين الذين ماتوا فداء لثورة لم تنتصر بعد.