علي سندة |
يبدو أن المياه التي جرفت خيام النازحين السوريين منذ أيام كانت بنزينًا لإذكاء نار التنافس بين الحكام العرب للوصول إلى (كعبة العروبة)، كما سمَّاها سدنتها، والفوز بالطواف نحو (هبل) سبعًا على نية العفو عمَّا مضى من قطيعة. هكذا حال حكام الدول العربية الطغاة مع زميلهم المفصول من الجامعة العربية بقرار منهم سنة 2012، فهم يتسابقون اليوم لإعادته إلى مقعده في الجامعة ليكمل رسالته العلمية (كيف تقضي على الشعب إلى الأبد) بعد أن وجدوا بحثه مهمًا بالنسبة إليهم كيلا يرسبوا في امتحان (استعباد الشعوب).
أدوات وصول الطغاة إلى الطاغية اختلفت بين دولة وأخرى كل حسب إمكانياته ومصالحه، فكان الشهر الأخير من هذا العام قد شهد العديد من الوقائع على خطى التطبيع العربي مع نظام الأسد، فلو بدأنا من الأحدث لوجدنا أن آخر متسابق قد وصل منذ يومين عبر إعادة الحركة الجوية المدنية وهذا ما فعلته (تونس)، وفي اليوم نفسه سمعنا كلام وزير الخارجية البحريني أن سورية بلد عربي رئيس في المنطقة لم ننقطع عنه! نعم كلامه صحيحًا يؤكد عدم الانقطاع التصافح الحار بين وزيري الخارجية في الثلاثين من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي في أروقة الأمم المتحدة على هامش الأعمال العادية.
الإمارات عادت من بوابة الدبلوماسية عبر فتحها للسفارة في دمشق منذ يومين، والعاهل الأردني قال إن العمل مع سورية سيعود كما كان سابقاً في حديث يخطب به ودّ دمشق ونظامها منذ خمسة أيام، وفي اليوم نفسه استقبلت مصر رئيس الأمن القومي علي مملوك أحد أبرز مجرمي النظام ليلتقي بنظيره المصري.
بينما شكلت زيارة رئيس السودان محمد عمر البشير في السادس عشر من الشهر الحالي أبرز الأحداث في طريق إعادة تأهيل نظام دمشق ومصالحته، سبقها حضور نظام الأسد لقمة رباعية حول تبادل المعلومات أقيمت في العراق قبل يوم واحد، واقتراح البرلمان العربي إعادة تفعيل معقد النظام في الجامعة في الرابع عشر من الشهر الحالي، وإشادة الأسد ومديحه لسلطنة عمان قبل يومين من هذا الاقتراح، سبقها زيارة وفد المهندسين الأردنيين لدمشق في العاشر من هذا الشهر، بعد زيارة وصفت بالناجحة لوفد من النواب الأردنيين لنظرائهم بدمشق في الرابع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر.
كل ما سبق يؤكد التنافس العربي للحج نحو الطاغية، لكي يوصلوا لشعوبهم رسالة واضحة، لا حرية بعد اليوم، والبقاء للحكام.
لو نظرنا إلى الدول العربية التي تسعى للتطبيع مع الأسد لوجدنا أن لبنان لم يغادر حتى يعود، أما العراق فكان يمده بالمليشيات الطائفية، ومصر مدته بالسلاح ليقتل شعبه، والجزائر لا حول لها ولا قوة كحاكمها الذي يدير شؤونها من على أعتاب جهنم، أمّا الإمارات فهي عرابة الحرب ضد الربيع العربي، والبقية يحملون أسبابهم في الحرص على توحد الطغاة في وجه شعوبهم.
ربما لا نود أن نتذكر فقرات مبادرة الجامعة العربية سنة 2012 التي من أهمها وقف العنف والإفراج عن المعتقلين وحرية التظاهر السلمي والحوار مع أطراف المعارضة وغيرها، وعبارات بعض الزعماء العرب التي دعت الأسد للرحيل .. لأننا ندرك تمامًا أن عودة الطاغية إلى المحيط العربي لا تقدم ولا تأخر، فالجامعة العربية ذات مناهج رثة بالية، وما فعلته هذه الحكومات في ذلك الوقت كان يتماشى مع مصالحها لا مصالح الشعوب، وهي اليوم تفعل الأمر ذاته.
ليس مهماً ما يجري إذا عرفت الشعوب قدرتها، فربما قد اقترب وقت الإطاحة بهم جميعاً، وإذا كان الخراب الكبير هو الفاتورة لأجل ذلك، فليكن على رؤوس الجميع.