السعودية وإيران في كفتي ميزانبقلم: إسماعيل المطيرلابد لنا عندما نتحدث عن التوازنات الدولية أن نفكر لحظة في أطراف المعادلة ككل، وربما بعدها ننتقل إلى التفاصيل والجزئيات.فعندما نذكر أمريكا مثلاً لا يخطر ببالنا إلا أن نضع روسيا في الكفة الأخرى للميزان، وربما نضيف الصين إلى روسيا لكي نعادل الكفة الأمريكية كما يجب، وعندما نذكر بريطانيا فلا يخطر ببالنا سوى فرنسا، وعلى غرار ذلك عندما نذكر الهند فلا بد أن نضع باكستان في الكفة المقابلة، فكل طرف لا بد أن يقابله طرف آخر مقارب له من حيث القوة الاقتصادية والتكنولوجية وما إلى ذلك من توابعهما من القوة السياسية والعسكرية وغيرها.هذه هي معادلة التوازنات الدولية في بعض مناطق العالم باختصار.ولكن من المهم بالنسبة لنا في منطقتنا العربية، وخاصة في القسم الآسيوي، البحث عن ندّ يوازن كفّة إيران التي طغت وتجبرت وعاثت في الأرض فساداً.ربما لا يخطر في بال الكثيرين سوى السعودية كمنافسة لإيران، فهل هذا حقيقي؟ … بمعنى: هل السعودية ندٌّ لإيران بحيث تستطيع موازنة كفّتها؟دعونا نستعرض بعض الوقائع والتحليلات لنعرف ذلك.تعد إيران من الدول كبيرة المساحة جغرافياً فيما يسمى “الشرق الأوسط” وعندها من الموارد ما يدعم ميزانها الاقتصادي بشكل كبير، ناهيك عن التطور التكنولوجي الذي وصلت إليه في السنوات الأخيرة، خاصة في مجال الطاقة الذرية ومشروع تخصيب اليورانيوم، تليها الصناعات العسكرية الخاصة بها من طائرات ودبابات وصواريخ وبوارج وغواصات.وبنظرة بسيطة إلى السعودية سنلاحظ الفرق الكبير بسرعة، فالسعودية ذات مساحة جغرافية كبيرة تقارب مساحة إيران، لكنها تفوقها في القوة الاقتصادية بشكل مذهل، نتيجة امتلاكها لأكبر احتياطيات العالم النفطية، وهي أحد أكبر المنتجين للنفط في العالم، ولديها جيش مدرب مسلّح بأحدث الأسلحة، حتى أنها باتت تعد في الفترة الأخيرة من أكبر مستوردي السلاح في العالم.ولكن المفاجئ أنها بعد كل هذه الإمكانيات الاقتصادية، مازالت دولة خاملة على الصعيد التكنولوجي والصناعي والسياسي إلى حد بعيد.نحن نرى إيران في كل يوم تتحرك شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وبكل ما أوتيت من قوة وعزيمة من أجل مدّ نفوذها وإثبات وجودها السياسي كواحدة من أقوى الدول في المنطقة إن لم يكن في العالم، فهي تتدخل في كل ما يجري حولها من أحداث سياسية.وبالمقابل فإن السعودية غافلة أو متغافلة عما يجري حولها في كل مكان، فإيران اليوم هي المسيطرة الحقيقية على بحر الخليج العربي، كونها المسيطرة الحقيقية على مضيق باب السلام الذي تسميه هي “مضيق هرمز”، وتهدد بذلك الأمن القومي والاقتصادي لكل دول الخليج العربي لو شاءت ذلك، حتى إنها بدأت تتدخل في بعض الدول المجاورة للسعودية، والسعودية رغم ذلك في صمم عما يجري حولها.فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق في مطلع القرن الحالي، بدأت إيران بتوطيد نفوذها في العراق مستغلة وجود الطائفة الشيعية الموالية لها، ثم أوصلت من تريده هي إلى الحكم الحقيقي للعراق، حتى أصبح العراق ولاية فارسية بامتياز، فكانت إيران بذلك قد بنت الجدار الأول في سجن ربما لا يكون إلا لتوضع فيه السعودية.ومنذ بداية ثورات الربيع العربي كان لإيران دور فاعل في أحداث بعض منها، وربما امتد ذلك الدور إلى مرحلة ما بعد الثورة.فالمستعرض للثورة اليمنية بعد سقوط نظام “علي عبد الله صالح” لا بد له أن يرى تحرك الحوثيين الملحوظ، وبدعم واضح من إيران بالسلاح والمال لخلق منطقة جديدة للنفوذ الفارسي جنوب السعودية هذه المرة.وبالاتجاه شرقاً نحو البحرين حاولت إيران خلخلة أمن الخليج بتأجيج التمرد الشيعي، وربما كان ذلك الأمر الوحيد الذي تحركت السعودية لإيقافه.أما في سورية ولبنان فالمسألة أكثر وضوحاً، فإن إيران تدعم حزب الله الشيعي في لبنان بالسلاح والمال دعماً غير محدود، وتدعم نظام الأسد بكل ما سبق إضافة إلى الدعم العسكري المباشر، من ضباط الحرس الثوري الإيراني وجنوده، ناهيك عن الدعم السياسي والاستخباراتي، والسعودية لا تحرك ساكناً إذ تقف متفرجة على ما يدور حولها لا أكثر.ربما ساهمت السعودية في دعم الشعب السوري من خلال المساعدات الإنسانية وبشكل محدود، ولكنها لم تقدم شيئاً يذكر على صعيد الدعم العسكري أو حتى السياسي.تقول إيران إن سقوط الأسد يعني سقوطها وهذا حقيقي تماماً، فلماذا لا تحاول السعودية الاستفادة من هذه الفكرة وتوجيه ضربة قوية لإيران من خلال دعم الثورة وإسقاط نظام الأسد، وخاصة أن سورية لو سقطت تماماً بيد إيران فإنَّ على السعودية السلام.طريقة السعودية هذه في التعامل مع الأحداث لا تذكّرنا إلا بقول العقيد أبو شهاب: “ناكتة وصغيرة”، ولكن هل الأمر في حقيقته من طراز “ناكتة وصغيرة”؟ أم أن التعامل مع الوقائع لا يتعدى كونه سلبياً فحسب؟والأشد غرابة من ذلك كله، هو تحول منحى منافسة السعودية لإيران إلى منافسة قطر الدولة الشقيقة الصغيرة، ففي الآونة الأخيرة بدأت قطر تحتل مكانة مرموقة على الصعيد السياسي في المنطقة العربية، وربما ذلك ما أثار حفيظة السعودية، فبدأت بمحاولات لإفشال السياسة القطرية، ونسيت تماماً الخطر الحقيقي المتمثل بإيران.دعمت قطر جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فقامت السعودية بدعم ” السيسي” في الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب عبر صناديق الاقتراع “محمد مرسي”، بل إنها “طبّلت وزمّرت” للانقلاب وسوّقت له إعلامياً عبر قنواتها على أنه “ثورة ثانية”.ثم تدخلت السعودية في سورية لمنافسة قطر لا غير، وخاصة في انتخابات رئاسة الائتلاف السوري المعارض، من أجل أن يفوز “الجربا” المحسوب على السعودية أمام منافسه “الصباغ” المحسوب على قطر.ربما يمكن تبرير ذلك في مصر بأن للسعودية أسباباً أخرى بغض النظر عن الدور القطري، منها خوف السعودية من وصول ما يسمى الإسلام السياسي إلى الحكم وتمكّنه منه في أي بلد عربي لأن ذلك قد يفتح باباً لا يغلق حتى في السعودية ذاتها.ومنها كذلك عدم رغبة السعودية في وجود نموذج إسلامي حاكم لا يدور في فلك النموذج السعودي، بل ربما ينافسه ويتفوق عليه.إضافة إلى عدم استقلالية السياسة السعودية، بل ارتباطها بالسياسة الأمريكية.ربما كانت هذه هي بعض الأسباب لسياستها في مصر، ولكن ما المبرر لهذه السياسة في سورية ؟!!… لعلنا لا نجد لذلك تفسيراً إلا منافسة قطر. وربما يرجع ذلك إلى شيخوخة السياسة السعودية، تماماً كشيخوخة حكامها مقابل همة الشباب في قطر، فالشيوخ غالباً لا تثير غيرتهم إلا همة الشباب.ويبدو أن السعودية في الحقيقة أيضاً قد اعتادت على كونها الطفل المدلل البكّاء عند أمريكا، وبالمقابل فإن إيران هي الطفل المشاغب عند أمريكا ذاتها، ومن الطبيعي دوماً أن يكون الطفل المشاغب صاحب السعي الدائم لمضايقة البكّائين الذين لا حول لهم ولا قوة سوى استنجادهم بـ “ماما”.استمرأت السعودية تلك الفكرة، ولم يعد ذلك من الأمور ذات الأهمية. ولكن اللافت في السنوات الأخيرة هو ظهور “تركيا” القوي على الخارطة السياسة في المنطقة، وربما تكون هي القوة القادمة الموازية لكفة إيران.ربما يثير ذلك بعض التساؤلات عن شكل الخارطة السياسية في العالم خلال السنوات القليلة القادمة، فأين يكون موقع السعودية عندئذٍ يا ترى؟!!! … أترك لكم الإجابة.