سلوى عبدالرحمن |
ما إن كان “أبو سمير” يتحدث معنا نحن ضيوفه من أصدقاء وأقارب جاؤوا لمعايدته، يدخل ابنه “غيث” ابن الستة أعوام دون أن يلقي السلام علينا وأخذ يأكل من أمامنا حلوى العيد بشراهة ويملأ ثيابه وأرض الغرفة ببقايا الحلوى طالبًا من والده مزيدًا من الحلوى والعيدية.
بينما كشفت “لين” أربعة أعوام طفلة من أسرة ثانية عن أحد أسرار والديها دون قصد، لكن استمرار العقاب المؤلم لها هو ما دفعها لاستغلال هذه الثغرة في أسرتها كعقاب لوالديها وفضحهم.
أما “عمر” البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا ووحيدًا في أسرته بين أربعة بنات، يأخذ مصروفًا من أمه بقدر راتب شهري لموظف، فيرتاد المقاهي وأماكن لعب البلاي ستيشن ويدخن دون علم والديه، وهو مقصر في دروسه وواجباته على عكس أخواته البنات المتفوقات في المدرسة ويتمتعنَ بخلق وسمعة حسنة مع أنهم يعيشوا جميعًا في بيئة واحدة.
مشاهد وصور متنوعة لسلوكيات سيئة متعددة للأطفال تتكرر في كل الأماكن بالمجتمع، أبرز أسبابها التربية السيئة في المنزل أو العلاقات الأسرية المتوترة أو الاضطرابات النفسية.
كما يبالغ بعض الأهالي بدلال أولادهم حتى يصبحوا فاسدين، وقد يتصرفون بطرق غير لائقة أمام الآخرين، تاركين الحبل على غاربه لأبنائهم وهم لا يشعرون بأنهم يسيئون إليهم بهذا الدلال الذي قد يُدمر علاقاتهم وحياتهم حين يكبروا، ولتوبيخ الأطفال أمام الآخرين تجاه سلوك ما خاطئ قد فعله أثرًا سلبياً على تصرفاتهم.
اللباقة والتهذيب عنصران أساسيان لبناء شخصية الطفل ووسيلة لاحترام الآخرين، مع العلم أن لباقة الطفل لا تعكس لباقة أسرته وغالبًا ما تؤدي السلوك السيئة إلى انحراف اجتماعي في سن المراهقة.
فكيف يكتسب الطفل قواعد السلوك الحسن سواء داخل المنزل أو خارجه؟!
يمكن تعليم الأطفال قواعد السلوك الحسن أو ما يعرف باللباقة الاجتماعية عن طريق الأسرة من جهة والمدرسة من جهة ثانية، وتوفير الجو الأسري الهادئ وعلاقة الأسرة المتينة المرتكزة على الأخلاق والتفاهم بين الوالدين والتعامل الراقي مع الأطفال، كما يتخذ الأطفال خاصة في المراحل الأولى من عمرهم معلميهم قدوة لهم، فكلامهم وتعليماتهم أمر مقدس لدى الأطفال.
وأظهرت الأبحاث السلوكية أن الطفل يتعلم أيضًا سلوكه من محاكاة وتقليد الآخرين وليس عن طريق توجيه أوامر له بشكل مباشر لذلك يتوجب على الوالدين مراعاة الآداب والسلوك أمام أطفالهم ليعتادوا على السلوك اللائق منهما.
يحثُّ أخصائيو التربية على تعليم الطفل آداب السلوك السليم في سن مبكرة، فالصغار قادرون على اكتساب المهارات بشكل سريع خاصة وأن شخصيتهم تتكون في عمر دون الست سنوات.
كما أن إقناع الطفل بالسلوك الحسن يعوده على تكوين المفاهيم الحياتية السليمة، كنظافة اليدين قبل تناول الطعام خوفًا من الأمراض وعدم التكلم أثناء الطعام كيلا يتناثر الطعام خارج الفم والوقوف لاستقبال الضيوف ومصافحتهم والجلوس أمامهم بأدب.
ضرورة تعليم الأطفال قواعد الاستئذان والشكر والتحدث وآداب الطعام والدخول والخروج من المنزل وآداب الطهارة والنوم ومعاملة الآخرين خاصة مع كبار السن واحترامهم وآداب الطريق.
الدلال الزائد وكثرة اللوم والنقد يؤثر سلبًا على سلوك الطفل فيصبح كلامه غير مسموع، ومن الأفضل تقديم التوجيهات بطريقة مقنعة يُظهر الآباء فيها حبهم له، كيلا يؤثر على ثقته بنفسه وعلاقته بالآخرين.
خلاصة القول أن التربية السليمة تحتاج إلى جهد متواصل ومتابعة، فبناء النفوس أشق وأصعب من عمليات البناء الأخرى، والتربية المتوازنة ترسخ المبادئ والأخلاق لدى الطفل حتى يكبر ويكون علاقات اجتماعية سليمة مع أسرته وفي عمله.
الاهتمام بالطفل دون مبالغة ومعاملته بتقدير وحب أمام الآخرين سلوكيات تعمل على إشباع رغباته وحاجاته النفسية والاجتماعية.