علي سندة |
لا يكفي أن العامل أو ربَّ العائلة في الشمال السوري يعاني من عدم وجود العمل، أو ضعف الأجر إن وجد عملاً، بل يزيد الطين بِلة استغلال الباعة حاجات الناس اليومية بطرق عدة دون رحمة أو رأفة لحالهم، مستغلين جهلهم بأسعار المواد التركية المنشأ، وجهل الكثير منهم بأسعار الصرف التي ربما تختلف يوميًا، وكل ذلك يحدث بلا أدنى رقابة.
ولتقريب الصورة أكثر، هاكم مثالاً مبسطًا يعاني منه الكثير من الناس، ألا وهو (ما العملة التي يتعامل بها هذا السمَّان أو ذاك؟) فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا كنت تحمل الليرة التركية وأردت طبق بيض وسألته عن سعره يجيبك بالعملة السورية متعمدًا ويرفض البيع بالعملة التركية علمًا أنه يتعامل بها وباتت رائجة في الشمال السوري، ثم يتنازل ويأخذ من المشتري العملة التركية بعد أن يحسبها بسعر أقل من سعرها الحقيقي مبررًا بقوله: ماذا لو تغير سعر الصرف حتى المساء؟! والمثال السابق ينطبق لو عكسنا الصورة، حيث إن العديد من الباعة بدؤوا يتعاملون بالليرة التركية ويرفضون غيرها، فيأخذون الليرة السورية من المشترين بعد أن يحسبوها بسعر أقل من سعرها الحقيقي أيضًا لأجل مخاطر سعر الصرف، علمًا أن فارق سعر الصرف الذي يضعونه بكلا الحالتين يكون غالبًا 10 ليرات سورية عن السعر الحقيقي.
يحدث ذلك أن العديد من العمال مايزالون يتقاضون أجورهم بالليرة السورية محسوبةً على الدولار أو التركي، والأشد من ذلك، وهو زيادة في الاستغلال، أن تكون أجرة العامل غير محسوبة لا على الليرة التركية ولا الدولار، وفي كلا الحالتين يضطرون للشراء بها لأنهم لو صرفوها إلى الليرة التركية سيخسرون فرق سعر الصرف، إلا أن الباعة صاروا صرَّافين متقنين، بل متعمدين التنوع في أخذ العملة لقاء منتجاتهم التي يقيِّمون بعضها على الليرة السورية وبعضها على الليرة التركية وبعضها على الدولار (يبررون ذلك بحسب المنشأ والمصدر)، وفي كل الأحوال لا يفوتون على أنفسهم الربح من سعر الصرف، وهم بذلك صاروا يربحون مرتين، الأولى بسعر المُنتَج المُباع، والأخرى بسعر الصرف، علمًا أن الأخيرة أكثر ربحًا من الأولى.
وتكثر حالات التلاعب بسعر الصرف لقاء المنتجات في المناطق البعيدة عن المدن (الأرياف، والمخيمات) حيث الباعة قليلون ومتفقون، يستغلون حاجة الناس كما يشتهون دون رقابة، فضلًا عن وجودها في المدن.
وأما موضوع التلاعب بسعر المنتجات التركية فذلك موضوع يطول وسرد الفروق بالأسعار أطول، لكن أقل ما يُقال إن سعر المنتجات التركية في الشمال السوري باتت كما في بلد المنشأ (تركيا)، بل ثمة منتجات أغلى، وهاكم بعض الأمثلة، فسعر علبة الحليب التي تباع في ماركة (البيم) في تركيا سعة ليتر 3،75 ليرة تركية، إلا أنها في الشمال السوري 5 ليرات تركية، وسعر السُّكر في تركيا من 4 ليرات إلى 4،5، أما في الشمال السوري من 4،5 إلى 5 ليرات تركية، فضلًا عن كل منتجات (البسكويت والشكولاته) التي تزيد في الشمال السوري (من خمسة قروش إلى ربع ليرة تركية) عمَّا هي عليه في تركيا، بل إن سعر كيلو لحم الخروف في تركيا من 55 ليرة إلى 70، أما في الشمال السوري، والأصل هنا أن المنتج محلي ويجب أن يكون أرخص من تركيا، فسعر الكيلو 20000 ألف أي ما يعادل 70 ليرة تركية بسعر الصرف الحالي، وكذلك الفروج (نيء) فسعر الكيلو في تركيا 11 ليرة بأحسن الأحوال، أما في الشمال السوري فسعره 11،5 وهو حي!
وللتنويه، فإن سعر المنتج التركي يجب أن يكون في سورية أرخص من تركيا لسبب وجيه جدًا وهو إعفاء المنتَج المُصدَّر من ضريبة اسمها (kdv) وهي ضريبة (القيمة المُضافة على المنتجات)، أي لو اشتريت علبة حليب في تركيا سعة ليتر تجد على الفاتورة أن المنتج بسعره المُباع مضاف إليه ضريبة (kdv) والتي تكون نسبتها في منتجات الأغذية الضرورية (كالحليب ومشتقاته والبيض) 8% تُضاف إلى السعر الأصلي، والسؤال: كيف يُباع المنتج نفسه بسعر أعلى في الشمال السوري علمًا أن الكثير من المنتجات لا يحتاج كهرباء؟! على الأقل يجب أن يباع بسعره في تركيا إن لم يكن أرخص.
وإذا سألت البائع لمَ السعر أعلى من تركيا، يقول لك: من التاجر، وإذا قلت له: يجب أن يكون أرخص لعدم وجود ضريبة على المنتجات التركية المصدَّرة، يجيب: أنا هكذا سأبيع، وهذا كله فضلًا عن رفع المُنتَج (ليرة تركية) كلما حدث تغير في سعر الصرف، كأن البائع يظنها ليرة سورية! علمًا أن المُنتَج نفسه في تركيا لمَّا تأتِ عليه زيادة، وإن أتت فليست ليرة، فربما تكون خمسة قروش إلى عشرة بحسب المنتج، وهنا نتحدث عن الأغذية خاصة كونها أساسية لا غنى عنها، بل إن البائع صار يُسعِّر المُنتَج المحلي الذي يجب أن يكون أرخص بسعر المُنتَج التركي، كأن الحياة في الشمال السوري عامة تضارع الحياة في تركيا برفاهيتها وضرائبها.
فالله الله أيها التّجار والباعة في الشمال السوري، انظروا إلى حال الناس وتلمَّسوا عجزهم وشقاءهم ونزوحهم، كونوا عونًا لهم لا عليهم، لا تخدعوا (العاميَّ) الذي لا يعرف ما هي الليرة التركية فضًلا عن معرفته لسعر الصرف، لا تستغلوا حاجتهم ومكان نزوحهم وبُعد المسافات عن مراكز المدن، وإن كانت الرقابة غائبة والأسعار تضعونها إرضاءً لأنفسكم، فتذكروا الله الرقيب، واعلموا أن الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه، ولن ننتصر ما لم نرفع الظلم بيننا.