فاطمة حاج موسى |
تسببت الحرب في سورية بوجود فجوة سكانية بين الجنسين بعد أن قضت على نسبة كبيرة من الشباب الذكور، ما دعا المرأة السورية إلى ملء فراغ غياب الشباب الذين يمثلون دعامة المجتمع الأساسية في التركيبة الاجتماعية السورية، وبلغ عدد النساء في بعض المناطق، وخاصة تلك التي يسيطر عليها نظام الأسد، حوالي ضعفي أعداد الذكور.
ومن أجل حماية الزوج أو الابن أو الأخ من الاعتقال أو التجنيد، اضطرت المرأة للنزول إلى سوق العمل والاضطلاع بتلبية احتياجات المنزل والمعيشة، لتصبح هي المعيل وليس الرجل في مُعظم الحالات، فنسبة كبيرة من الذكور غيبتهم الحرب عن عائلاتهم وأُسرهم إما بهجرتهم خارج البلاد أو تعرضهم للاعتقال أو بخدمتهم في الجيش وموتهم في الحرب والمعتقلات.
أظهرت وسائل إعلام مختلفة مجموعة سيدات يعملنَ على قيادة المركبات العامة لنقل الركاب، وأُخريات يعملنَ في المقاهي والمطاعم، وبعضهنَّ على عربات جوالة وكذلك بيع الخضروات في الأسواق وغيرها الكثير من الأعمال التي لم تكن تمارسها النساء من قبل، ليقوم إعلام النظام بالإطراء على ظاهرة عمل المرأة ووصفها بأنها خطوة تجاه تحررها وأخذ مكانتها في المجتمع بدلاً من أن يقف على المشكلة الرئيسة وهي ضرب بُنى المجتمع الأساسية والزج بالشباب في المعتقلات التجنيد.
وبحسب خبير اقتصادي في العاصمة دمشق، فإن نسبة عمل النساء بازدياد مضطرد، حيث بلغت مؤخراً أكثر من ضعف نسبة عمل الرجال، بعد أن أصبحت قطاعات كثيرة تطلب النساء لسد ثغرة غياب اليد العاملة من الرجال، وقد وصلت في دمشق بحسب تقديراته إلى حوالي 80%.
تحدثت صحيفة حبر مع عدد من السيدات في دمشق من مناطق مختلفة، رفضنَ ذكر أسمائهنَّ لأسباب أمنية، وتحدثنَ عن المشاكل التي يعاني منها سكان دمشق عموماً والمرأة خصوصاً.
قالت سيدة من منطقة (دُمر) الدمشقية: “أكبر مشكلة نعاني منها هي الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار بكافة المناطق، وربما أكثر شريحة تعاني هي النساء، لأنهنَ فقدنَ أزواجهنَّ المقاتلين بصفوف النظام ولديهنَّ أطفال ما أثقل كاهلهنَّ جراء صعوبة تأمين مصروف عائلاتهنَّ مع غلاء الأسعار وانتشار البطالة بين الناس، فالمسؤولية كبيرة وما من معيل.
أما المحروقات بأنواعها فقليلة جداً في السوق وإن توفرت تكون باهظة الثمن، اعتمادنا الأساسي على الكهرباء في كل شيء، لكنها حالياً تُقطع ثلاث ساعات وتأتي ثلاث ساعات أخرى، وأحياناً تُقطع أكثر ولا نعرف السبب، وعندما نتواصل مع عمال الشركة يخبرونا أن هناك عطل عام وحتى الآن لم يصلح هذا العطل! لذلك نحاول إنهاء أعمالنا التي تحتاج الكهرباء في هذه الساعات القليلة، فنحن نطهو الطعام على الكهرباء لعدم وجود الغاز، بالإضافة إلى التدفئة، وبعد انقطاعها نستعين بالأغطية لعدم وجود المازوت، والكثير ممَّن لا يمتلكون ثمن الأغطية عانوا من أمراض كثيرة بسبب البرد، والمشافي الحكومية ممتلئة بسبب فقر الناس وحاجتهم.”
وقالت سيدة أخرى من منطقة (دحا ديل) في دمشق: “فرص العمل قليلة جداً والبطالة منتشرة ولا يوجد عمل، والمعونات الإنسانية تُقدم للأرامل والعائلات التي فقدت أولادها المقاتلين بصفوف النظام بنسبة قليلة جداً أو حسب المناطق ورتب الأشخاص، فالمجند يختلف عن الضابط، وهناك أشخاص يُوزع لهم وأشخاص لا يأخذون شيئًا. الأوضاع سيئة وجميع الناس يشتكون، أوقَفوا الاحتياط من فترة أسبوع وفتحوا باب التسريح لمن طالت خدمته بسبب الحرب، لكن تم طلبهم للاحتياط مجدداً لسد نقص العناصر بصفوف قوات النظام.” وأضافت: “لم يعد هناك أمان قط، فعمليات الخطف منتشرة بشكل كبير، ومن ضمنها عصابات نسائية لخطف النساء والأطفال بغرض طلب الفدية والاغتصاب أو السرقة ثم القتل، أو الاتجار بالأعضاء البشرية التي صرنا نسمع عنها كثيراً، لذلك نخاف كثيراً من الخروج بمفردنا، فضلاً عن حالات مهاجمة بعض الفتيات الجميلات في منازلهنَّ من قِبل بعض المقاتلين في المليشيات وحواجز الشوارع، انقلب كل شيء هنا، لم نعد نعلم أين نعيش، نهب وسرقة واستغلال وخطف واغتصاب، كأننا في الجحيم! وصلنا بالفعل إلى آخر الزمان، ومن نظن أنه يحمينا هو سبب خوفنا وانعدام الأمان بالمنطقة”.
وتحدثت سيدة أيضاً من دمشق منطقة (السيدة زينب): ” الميليشيات الشيعية تسيطر على المنطقة، وتتحكم بالنسبة القليلة الموجودة من السنة وتبتزهم دائماً وتُسيء إليهم.” وأضافت: “أخذوا زوجي للاحتياط لكنه استطاع الهرب، وقبضوا عليه أثناء محاولته الدخول للمنطقة حتى يأخذني وأطفالي، تم سجنه وتعذيبه لفترة وبعد عدة واسطات أخرجوه من السجن، والآن هو يخدم في تدمر، لكنهم بعد محاولة هروبه منعوا عنه الراتب الذي كان يُقدم له قبل الهروب، ولا يساعدني في مصروف منزلي سوى أخو زوجي الذي يعمل ويعيش حالياً بأحد أسواق الخضراوات بدمشق خوفاً من سحبه للاحتياط إذا تجول في العاصمة مع أنه أكبر سناً من زوجي، وقد تجاوز الخامسة والأربعين، حاول ترك المنطقة لكنه فقد هويته ويخشى إخراج غيرها للسبب نفسه، يعمل وينام بالسوق، وأتواصل معه لنلتقي بمكان ما بعيداً عن الحواجز والميليشيات المنتشرة حتى يرى أولاد أخيه ويقدم لنا مصروفنا.
لا يمكنني العمل لأن أولادي صغار، ثم إن فرص العمل شحيحة جداً، وغير متوفرة من الأصل، وعند التقدم للعمل يفضلون البنات الصغيرات وغير المتزوجات لعدم وجود التزام لديهنَّ يمنعهنَّ من العمل ساعات طويلة، غير ذلك فأنا أخشى من انعدام الأمن وعمليات الخطف المستمرة، لذلك أبقى ملتزمة في المنزل لا أخرج إلا للضرورة ولا يمكنني ترك المنطقة دون أن يكون أحد أهلي برفقتي”.
مع الفلتان الأمني المنتشر بمناطق النظام وانجراف المجتمع نحو الهاوية وظهور عصابات الخطف والقتل والنهب والمخدرات والاتجار بأعضاء البشر مع حوادث موثقة تؤكد أن أغلب القائمين بمثل هذه الجرائم هم عناصر من ميليشيات النظام والدفاع الوطني ما وضع السكان بشكل عام والنساء خصوصاً بحالة كبيرة من الذعر والخوف حتى من المطالبة بأبسط الحقوق، إضافة إلى عدم قدرتهنَّ على مغادرة هذه المناطق خشية اختفائهنَّ واعتقالهنَّ أو التعرض لهنَّ في الطرقات.