د. وائل الشيخ أمين |
قضى حافظ الأسد – لعنه الله – بعد استلامه الحكم في سورية على جميع أشكال الحياة السياسية، فلم يبق إلا عصابة طائفية مجرمة تمسك بقواعد اللعبة السياسية بمفردها، وتخنق العمل في الحياة العامة تماماً، فكانت هي الآمر الناهي في كل شيء، وكذلك يفعل الطغاة عندما يقدرون.
ولأن نفوس الشباب والأحرار تحمل طاقات لا يمكن كبتها، كان لا بد لهذه الطاقات من تنفيس وتخدير، وإلا فالمواجهة المباشرة العنيفة معها، ولا شك أن خيار التخدير هو أقل تكلفة وأنجع وسيلة.
وللتخدير طرقٌ كثيرة مثل شراء المشايخ، وشيوخ القبائل، وبعض وجهاء الطوائف الأخرى، ليكونوا ديكوراً لعصابته وبوقاً لإذاعته.
لكن بعض النفوس الحرة لا ينفع معها مثل هذا النوع من التخدير، فلديها من الطاقات ما يمنعها من قبول التدجين، فهي نفوسٌ توّاقةٌ إلى العمل والتغيير والتأثير، فكان المخدر بأن يتاح لهذه الطاقات أن تعمل في الشأن العام لكن ضمن ملعب ترسمه بدقة العصابة الحاكمة، ولا يجوز للعاملين الخروج عنها!
فيظنون أنهم يعلمون ويغيرون ويؤثرون لكنهم في الحقيقة يتخدرون ويخدرون ويلتزمون بقواعد اللعبة.
ما الذي أثار لديّ كل هذه المواجع!؟
في الحقيقة أنا لا أريد أن أتكلم عن المخدرات القديمة، بل عن المخدرات الجديدة، وهذه المرة لم يجعلنا النظام نقع فيها، بل انجررنا وراءها لوحدنا لأنها مثيرة جذابة تلبي احتياجات النفس التواقة للعمل.
المخدرات الجديدة اليوم لشبابنا الحر الممتلئ طاقةً والراغب في العمل العام والإنجاز والتغيير والتأثير هي المشاريع المجتمعية التي لا تصب مباشرة – وأعني مباشرةً حرفياً – في مصلحة الثورة والتغيير السياسي.
فلهذه المخدرات بريقٌ جميل – وأرجو أن يؤجر من يتعاطاها عند ربه الكريم – لكن المشكلة فيها أنها تصرف عن المعركة الأساسية!
قد تكون هذه المخدرات مشاريع إغاثة للاجئين والنازحين، يقوم عليها شباب لديهم طاقات كبيرة وينتظر منهم أن يكونوا لاعبين ومؤثرين في معركة الثورة، فيتخدرون بهذه المشاريع ويخدرون من معهم!
قد تكون دور رعاية أيتام، قد تكون رياض أطفال، قد تكون برامج ودورات لبناء المهارات والقدرات، قد تكون برامج توعية.
لكن، لماذا نبني القدرات ولا نستثمرها مع أن الاستحقاق قائم!
وهل الوعي مطلوب للتمتع به أم لتغيير الواقع للأفضل!
ما نفع كل هذه المشاريع إذا لم تستثمر في المعركة القائمة الآن والتي تحرق الأرض تحت أقدامنا !؟
لا أقصد – طبعاً – أن هذه المشاريع ليست مهمة، لكنني أرفض بشدة أن تُستفرغ طاقات كوادر عظيمة في هذا الجانب، لتصرف عن المعركة الأهم فتكون هذه المشاريع مخدرات تعطل عن العمل الحقيقي اللازم.
ولئن خسرنا الكثير من شبابنا بسبب العقاقير المخدرة، فإن هذه المخدرات الجديدة تجعلنا نخسر طاقات أفضل الشباب ومن يرتجى منهم إحداث التغيير.
و لو أنهم صحوا واستيقظوا من مخدراتهم، وأعلنوا اشتباكهم المباشر في معركتهم القائمة لكان حالنا أفضل مما هو بكثير.
لا يقبل منكم يا شباب أن تكونوا منظرين أو محللين أو متفرجين في حين يسلّم الأمر لغير أهله لأنه بادر وتأخرتم، ولا يقبل منكم أن تنشغلوا في مشاريع على الهامش والمعركة قائمة.
شمّروا وابحثوا عن دوركم الذي يستحقكم وتستحقونه فلهذا خلقتم.