وسام العسير
لقد كان فوز المرشح الأمريكي دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية صدمةً للكثيرين من المحللين والمتابعين الذين توقعوا عكس ذلك، إذ لم تكن المؤشرات والتوقعات تشير إليه، بل إنَّها كانت ترسم سيناريوهات مختلفة تماما عن الواقع الذي صدم العالم، ومهما يكن من أمر فإنَّ الجميع أدركوا أنَّ احترام اللعبة الديمقراطية واجب، وأنَّ هناك أمرا واقعا يجب الخضوع له والتأقلم معه لتجنب مشاكل قد تحدث.
ولم يكن الشرق الأوسط غائباً عن تلك المعمعة الانتخابية، وعن التطورات في السياسة الأمريكية، خاصة أنَّ هذه المنطقة تؤثر فيها سياسات البلدان ذات الثقل السياسي والعسكري، كالولايات المتحدة الأمريكية، وواضح أنَّ الأوساط المختلفة في شرقنا الأوسط كانت تولي موضوع الرئاسة الأمريكية اهتماماً كبيراً محملاً بالقلق والخوف من مستقبل قد يكون أسوأ من الماضي السيئ.
إنَّ أكثر القوى العربية في المنطقة تشعر بالإحباط من إدارة الرئيس السابق أوباما الذي كانت سياسته تسير على خطٍ واحدٍ معتمدة على إحداث التوازن عبر القوى المتصارعة من دون أية التزامات جدية مباشرة مع الحلفاء، وكذلك لا تبدو تركية في وضع الراحة والأمان من إدارة أوباما، إذ بقي التوتر سيد الموقف بين البلدين بسبب اختلاف الرأي حول طريقة التعاطي مع الملف السوري، ودور الأكراد في حرب تنظيم داعش، بل إنَّ محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت مؤخرا تؤكد هذا البعد بين البلدين، فعبَّرت أنقرة عن دهشتها من الموقف الأمريكي البارد، في حين كان الموقف الروسي أكثر جرأة ووضوحا وشجاعة، إذ سارعت موسكو إلى دعم الدولة التركية في وجه الانقلابيين على الرغم من العلاقات المتوترة بين أنقرة وموسكو.
لا شكَّ أنَّ تركيا ومعها السعودية ستعملان جاهدتين على إعادة بناء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على أصعدة مختلفة، خاصة وأنَّ هناك بوادر عودة مياه البغض إلى مجاريها بين أمريكا وإيران، وهو أمر يريح كلا من السعودية وتركيا، ويرفع رصيدهما في حرب الصراع الإقليمي القائم منذ زمن طويل بين (السعودية-تركيا-إيران)، إلا أنَّ ترامب صاحب المفاجآت قد يعمل على وضع الصراع الطائفي في منطقة الشرق الأوسط في درج صغير، ليقوم بالعمل والتنسيق مع قوى مستعدة لأن تأخذ دور العبد بأقل الأثمان، مثل مصر والأردن والإمارات.
فالمستقبل إذاً هو حالة بين بين، بين التفاؤل والتشاؤم، بين الارتياح والريب والخيفة، فالبيت
الأبيض لم يكشف أوراقه بعد، ولم تتضح خطته، فهي تبدو غامضة في كثير من الأحيان، خاصة عندما يصرح تصريحات متناقضة حول إدارة السياسة الخارجية، علما أَّن تولي الجمهوريين سدة الحكم يريح الخليج العربي ويقلق إيران، إلا أنَّ أحدا لا يمكن أن يجزم بتحركات ترامب أو يتنبأ بطبخته الجديدة وطريقته في إدراة الأزمات الخارجية، وذلك نظرا إلى موقفه السلبي والمفاجئ من حلفاء أمريكا الأقدمين ورفضه الاتفاق النووي مع إيران، ورغبته بالتعاون مع بوتين الذي يعمل على توسيع نفوذ الروس في المنطقة والانفتاح على الأتراك.
وفي هذه الحالة قد يعمل ترامب على إيجاد صيغة تفاهم روسي تركي تنضم إليها مجموعة من الدول لحل ملفات كانت وما زالت شائكة، مثل قتال تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وتحقيق انتقال سياسي للسلطة في سوريا، والحد من نفوذ إيران في المنطقة، ليعلن ترامب أخيرا حالة من التسوية والاستقرار.
إلا أنَّ البعض يرى أنَّ المحافظين لن يوافقوا على سياسة كهذه، وسيدفعون إلى مزيد من التعقيد وتأجيج الصراع في المنطقة، ممَّا يؤدي إلى زيادة التوتر، وتعميق الفجوة، وتصعيد الاقتتال في الشرق الأوسط كما حدث في العراق بعد غزوه عام 2003م، فهل سيبقى ترامب على طاولة الشرق الأوسط طويلا متنقلا بين أوراقها المتناثرة، أم أنَّه سيرتبها سريعا لينتقل إلى غيرها؟!