علاء العلي |
تعيش إدلب هذه الأيام تغييرًا ربما له انعكاساته على الخريطة السياسية والعسكرية، وبات من المسلمات أن أي تغيّير يحدث لا بد أن يكون تحت النظرة التركيّة التي تحاول تعويمها وتقديم نموذجها للطرف الروسي.
(هيئة تحرير الشّام) المسيطر الفعلي على المحافظة، ويشاركها بعض الفصائل الثورية أو بقاياها، (كحركة أحرار الشام) أحد تشكيلات الجيش الوطنيّ، و(صقور الشام، وفيلق الشام)، وغيرها بوجود نسبيّ محدود، خرجت في بيان لها يوم الخميس 22 أكتوبر أعلنت فيه تدخلها لحل نزاع داخلي نشب بين أطراف داخل (حركة أحرار الشام)؛ للحيلولة دون وقوع أذى في صفوف المدنيين، سرعان ما تخرج معرفات الأحرار لتعلن عن تمرّد يقوده قائدها السابق (حسن صوفان) ضد أتباع القائد الحالي (جابر علي باشا).
إزالةُ الوشاح عن وجه المحافظة الجديد والترتيب لمجلس عسكري موحد وفعال تنخرط فيه القوى العسكرية بما فيها هيئة تحرير الشّام بذراعيها العسكري والسياسي يحتاج وسيطًا يزيل شيئًا من التصنيف الذي أرهق قادتها، فهي ماتزال تناور وتعوم نفسها كطرف مستقل عن القوى الخارجيّة، بل تسعى لإثبات (سورنة) أهدافها، ولربما وجدت في (صوفان) الرجل الوسيط الذي سيُعول عليه لاحقًا في تحريك ملف توحيد مجلس للمحرر عسكريًا وسياسيًا، وسيعدُّ ذلك خطوة مهمّة لهيئة تحرير الشام الساعية بكل جهودها لتبني خطاب يحمل مراجعات جديدة، ينخرط بمحصلتها بقية من تبقى من فصائل الثّورة.
تختلف مؤشرات الأحداث هذه المرة عن سابقاتها، حيث اتهم كثير من الأطراف تحرير الشام بابتلاع أحرار الشام ومقراتها ونقاط الرباط والعتاد، لكن هذا لم يتم أبدًا، بل تم تسليم أتباع (صوفان) جميع المقرات والنقاط، في بادرة تثبت حاجة الهيئة لوجود هذا الفصيل، وعدم التفرّد في مشهد الميدان السياسي فضلاً عن العسكري، ولهذا دلالات حتميّة، فالحركة لها أتباع ومناصرون، ويُنظر إليها كمكون معتدل، ربما يُشكل صلة وصل مع الأطراف الأبعد عن تحرير الشام، تساهم في الفترة القادمة بتسريع وتيرة تشكيل المجلس العسكري وإدارة سياسية لا تقصي أحدًا، وتحقّق التوافق بالحدّ الأدنى.
لا يبدو حتى اللحظة أن تركيا تصغي للأصوات التابعة لزعيم الحركة (جابر علي باشا) تدعوها للتدخل وإعادة الأمور كما هي عليه قبل التّمرد، فتركيا التي قبلت مهمّة ترسيخ الأمن في المحافظة، وتكفلت بذلك لدى روسيا، لديها برنامج مختلف، فهي تدرك حجم المخاطر التي يسببها الرّكود وإبقاء الأوضاع على حالها، لذا فهي تحثّ خطاها مسرعةً لوأد اتهامات الرّوس بأن ما تصفهم بالجماعات الراديكاليّة هي من تتحكم وتستفرد في إدارة المحافظة على حدّ زعمها، والتّطعيم المقبول لدى الأطراف يحقّق مرونة تتخطّى من خلالها تركيا عقدة روسيا، وربما هذا ما تسعى إليه تركيا بشكل حثيث، كخطوة تمهّد لخطواتٍ قادمةٍ تنخرط بموجبها فصائل مناطق عمليات غصن الزّيتون ودرع الفرات ونبع السّلام مع منطقة درع الرّبيع في محافظة إدلب، ويعطي في الوقت نفسه إخطارات جادّة لبقيّة المكوّنات أن التّعنّت بالاستحواذ على القرار لن يجدي، وسيكون البديل الفوريّ بحكم الضرورة مفروضًا، فالوقت في نظر أنقرة ضيّق، ولم تعد تحتمل مزيدًا من الضغط الروسي تجاه حالة التّشرذم الفصائلي، وتَغيُّب الوجه المعارض الذي تتعذر موسكو دائمًا بتطرفه تارةً فضلاً عن غيابه وتشرذمه على حدّ زعمها تارة أخرى.
وبالوقت الذي ترتّب فيه أنقرة أوراقها داخل الشّمال، هناك إجراءات روسيّة تعرقل تقدّمها، فتفكيك الجماعات التي تتذرّع بها موسكو سيؤدّي إلى حرمانها من أي إجراء عسكريّ والوقوف على الاستحقاقات، وهذا ما لا يمكن توقّعه من روسيا، التي عادت لتثبت نظريّتها الحقيقية بأن كل من خرج بسلاحه ضدّ حكومة دمشق هو إرهابيّ، وقد أوصلت الرسالة بدموية من خلال استهدافها لمعسكرات فيلق الشام اليد اليمنى لتركيا والمفاوض على طاولة آستانة، وهذا ما يفشل تقدم الأتراك في توحيد هذه القوى، وما يظهر بالفعل أن الرّوس لا يعنيهم كل ما سبق.