بقلم : إسماعيل المطيرعندما نطفئ الشموع في عيد ميلاد إنسان، فإننا نتمنى له العمر المديد قائلين: سنة حلوة وعقبى للمئة. فماذا عسانا أن نفعل وقد انقضت أربع سنوات من عمر ثورتنا؟!لن نطفئ الشموعَ أبدًا، بل سنشعل الشمعة الخامسة آملين أن تكون الشمعةَ الأخيرةَ التي ستحرق الظلم والظالمين، وتثأر لدماء الشهداء التي سالت لتخضب الدرب بلون الحرية الأحمر.أربعة أعوام مضت، عرفنا فيها حلاوة الفرحة مع كلِّ انتصارٍ لثوارنا، وتجرعنا فيها مرارةَ الألم عند كلِّ تراجعٍ وعند كلِّ اقتتالٍ بين فصائلنا، وعاينَّا فيها الموتَ مع كلِّ صوتِ هدير طائرةٍ أو صاروخ.أربعة أعوام تعلّمنا فيها كيف نحقد على من سامنا سوءَ العذاب مع كلِّ برميلٍ متفجّرٍ أو قذيفة مدفع أو هاون.أربعة أعوام مضت، اختلطت فيها ريح المسك من دم الشهداء مع رائحة كيماويات السفَّاح.آن لنا أن نتوقف لحظات لنستعرض (بانوراما) ثورتنا، لنفكر فيما حققنا وفيما خسرنا، وآن الأوان لأنْ ننظر إلى مستقبلنا نظرةً تجمع حكمة الشيوخ وهمَّة الشباب، لنبني بلدنا بعد أن خربه هولاكو العصر.ربما نظر بعضنا إلى ما آلت إليه الحال فتمنى لو أنَّه بقي واقفًا على الرصيف، لا لشيء إلا لأنه اكتشف متأخرًا أنه مصاب بنوع عجيب من عمى الألوان، جعله يطرق الباب الوردي بدلًا من الأحمر، فلم ينفتح له هذا ولا ذاك، لكنه سمع صوت الحرية صارخًا: لا مكانَ للحالمين. فعاد إلى حيث كان.تابع الباقون سيرهم في طريق الثورة، وآن لهم بعد أربعة أعوام أن يسألوا أنفسهم: هل حققت الثورة غاياتها وأهدافها أو أنَّ الرياح جرت بما لا تشتهي السفن؟خرجنا ضد الظلم، فهل عدلنا ؟! وضد الفساد، فهل صلحت نفوسنا؟! وضد الفتن، فهل اجتنبناها؟!بدأنا طريقنا من نقطة واحدة، فكيف تفرقت بنا السبل وتعددت غاياتنا؟!لا بدَّ أن نسأل أنفسنا عمَّا أعددناه لمستقبل بلدنا، فلو سقط النظام “اليوم”، كيف سندير بلدنا “غدا” كما يجب أن تدار؟!كيف سنتخلص من لعبة الكراسي والطرابيش كي نتجنب إعادة إنتاج نظام الأسد بأيدينا؟!كيف لحكوماتنا “الثورية” أن تسوس أمور بلادنا، هي التي لم تكتسب ثقة الشعب أصلًا؟!نازحونا.. لاجؤونا.. أراملنا.. أيتامنا.. مصابونا وفقراؤنا، كيف سنعيد لهم ولو جزءًا مما سلب منهم؟!شهداؤنا.. كيف نكون أوفياء لدمائهم؟! أما آن لنا أن نعود إلى ما خرجنا من أجله؟!لم يفت الأوان ومازال هناك متسع لأن نضع أيدينا متكاتفين، ومتسع لردم الهوة العميقة بين الداخل والخارج، كي نكون صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص، كحزمةٍ عصيَّةٍ على الكسر، وليخسأ كلُّ عدوٍ للثورة وكلُّ متسلق، فلن نضلَّ طريقنا بعد اليوم بإذن الله، فطريقنا واضح المعالم كالشمس في كبد السماء، ولا حجة لنا في الانحراف عنه.سنشعل الشمعة الخامسة، وإن لم تكفنا سنشعل السادسة والسابعة والخامسة عشرة والخمسين، ولن نيأس حتى تيأس الحرية.. ولن تيأس.