بعيدا عن عيون الرقابة والقانون تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل علني على صفحات الفيسبوك ظاهرة التزوير للشهادات الجامعية، وقيادة السيارات، بالإضافة إلى جوازات السفر ووثائق الولادة وغيرها من الأوراق الرسمية للسوريين، وذلك من قبل بعض المجموعات التي تحترف التزوير كمهنة وخاصة الشهادات الجامعية والبطاقات الشخصية داخل سوريا وخارجها.
لم يقتصر الأمر على التزوير في سوريا، بل حصل عدد كبير من الشباب على شهادات وجوازات مزورة من لبنان والأردن وتركيا لم تثبت أي دولة حتى الآن أنَّهم تعاملوا بها بعد، وذلك خوفاً من التنسيق والتواصل القائم بين الجهات الحكومية السورية وحكومات الدول العربية بموجب اتفاقيات موقعة بينهم سابقا، إلا أنَّ الحاصلين على تلك الشهادات يؤكدون أنَّهم يعملون بها في بعض الدول ولم يفصحوا عن أسمائهم الحقيقية خوفا من إلقاء القبض عليهم ومعاقبتهم، ويمكن الحصول على شهادة جامعية بمبلغ يتراوح ما بين 400 – 1500 دولار حسب الشهادة المطلوبة والمزور و موثقة من جامعات دمشق وحلب وعليها كافة الأختام من وزارة التعليم و من السفارة السورية في الدولة التي سيعمل بها صاحب الشهادة المزورة.
آلية التزوير
في ظلِّ التقدم والتطور التكنولوجي لم يعد التزوير أمرا صعباً خاصة بالنسبة إلى الشهادات والوثائق والأختام السورية التي لازالت قديمة ولم تتطور منذ زمن طويل، فأصبحت بطاقات حفلات الزفاف أكثر تعقيدا منها على عكس باقي دول العالم التي طورت وثائقها فأضافت رموزا وشعارات معقدة مستخدمة نوعيات خاصة من الطابعات والورق من الصعب تزويرها.
تقوم مجموعات التزوير بشراء وثائق فارغة عن طريق بعض الموظفين الفاسدين لدى حكومة النظام داخل الجامعات وغيرها، أو يقومون بإعادة إنتاج نسخ طبق الأصل عن الوثائق الحكومية باستخدام معدات بسيطة (طابعة ليزرية-ماسح ضوئي-برنامج فوتوشوب) وإن وجدت علامات مميزة بارزة على الشهادة يقوم المزور بتأمينها من المطابع الحديثة بمبلغ زهيد.
خرج الكثير من السوريين إلى دول اللجوء بدون أوراق ثبوتية أو حتى بطاقات شخصية وعائلية هربا من الحرب، وبعضهم فقدوها تحت ركام منازلهم فلم يجدوا خيارا أمامهم سوى اللجوء إلى تزويرها للتنقل داخل الأراضي السورية وإثبات هويتهم خوفا من إلقاء القبض عليهم من أحد طرفي النزاع في سوريا، كما ويضطر المدنيون الذين يعيشون في المخيمات أيضا لتزوير شهادات الولادة وتسجيلهم في البطاقات العائلية خوفا من ضياع نسبهم، فالوصول إلى مباني النفوس في المناطق المحررة بات أمرا صعبا.
قد يتوقف تخرج بعض الطلبة على مادة أو اثنتين فيلجأ إلى التزوير عن طريق المزورين الذين يوفرون له شهادة نظامية تحمل أختاما وتواقيع من وزارة الخارجية مقابل دفع الرشاوى لموظفين فاسدين داخل الجامعات السورية.
الشاب فادي 28 سنة يحمل اليوم شهادة مزورة في اللغة العربية ويعمل مدرسا في أحد المخيمات للاجئين السوريين تقول أخته المقيمة في إدلب: “لم يتبق لفادي سوى مادتين للتخرج ولم يعد يستطع الذهاب إلى جامعة حلب لخروجه ببعض المظاهرات ضد النظام السوري فلجأ إلى شراء شهادة مزورة ليعمل بها”.
فاتن مواطنة من مدينة إدلب تحمل الشهادة الإعدادية تقول: “أنا متزوجة ولدي أسرة مكونة من 5 أفراد وزوجي لم يجد فرصة عمل، نصحتني إحدى الممرضات بتزوير شهادة البكالوريا والتمريض لأعمل بها في إحدى النقاط الطبية بعد أن أخضع لدورة تمريض وبمبلغ 200 دولار ولكنني لم أقبل فالتمريض مهنة إنسانية ولن أتلاعب بحياة المواطنين”.
وكان وزير التعليم العالي محمد مرديني في حكومة النظام قد صرح مطلع العام الماضي لوسائل الإعلام الموالية أنه سيتم قريبا إطلاق تجربة تضمن فيها الشهادة عبر كودات أمنية وشريحة ذكية، فيما وصف بعض من موظفي الجامعة السابقين هذا القرار بالغبي واقترحوا أنَّ الحل الأمثل هو أرشفة دواوين وسجلات وزارة التعليم العالي الكترونيا.
التزوير تجارة باتت رائجة في سوريا وخارجها كما تجارة الأعضاء والآثار من قبل تجار الحرب ومستثمري الأزمات وجميع الجهات والدول تعاقب على هذه الجريمة، إلا أنَّ انشغال نظام الأسد بقصف المدنيين وقيام الأجهزة الأمنية بحملات اعتقال وتهجير للشباب جعل الكثير من الشباب ينقطعون عن جامعاتهم ويلجؤون إلى التزوير والأمر الآخر تفشي الفساد في دوائر الهجرة والجوازات وإدارات الجامعات والنفوس وغيرها من الدوائر الحكومية.
حرب طاحنة منذ 6 سنوات لم يستطع المجتمع الدولي مواجهتها لا سياسيا ولا عسكريا، تحمل بين طياتها الكثير من قضايا الفساد والدمار الاجتماعي بالإضافة إلى الدمار والنهب والسرقة الذي تقوم به عصابات الأسد.
فهل ستكون أقدم جامعات الوطن العربي (دمشق وحلب) التي خرَّجت ولازالت تخرج خيرة العلماء والمفكرين سوقا لبيع وشراء الشهادات ببضع الدولارات ؟!
سلوى عبد الرحمن