يحيا الإنسان في سبيل معتقده، أو هكذا يجب أن يكون، فالعقيدة سواء كانت أرضية أو سماوية، علمانية أو دينية، هي المحرك الرئيس لكل الأفعال الإنسانية على الصعيد الفردي والاجتماعي، ويجهد الإنسان في الدفاع عن عقيدته، والدعوة إليها، وإثبات أنها صحيحة .. يدفعه إلى ذلك حاجته للشعور بأن حياته ذات قيمة، وبأنه ليس مؤمناً بخواء لا حقيقة له .
وأثناء ذلك يعمل بشكل متعمد، أو بشكل أتوماتيكي غير واعي ــــــ ينشأ على مبدأ الفعل ورد الفعل ــــــ على تشويه وشيطنة عقائد الآخرين وأفكارهم، وحتى أراءهم البسيطة التي لا تنسجم مع مبادئه الإيمانية .
مع تطور الحالة السابقة ينتج مجتمع جاهل متعصب متطرف يدافع عن أفكاره بحججه الخاصة، ويتهم الآخرين بالكفر لأنهم لا يصدقون هذه الحجج، مهما كانت حججه المذكورة سطحية وغير منطقية، فهو يرى أن الإيمان بها هو الأساس لإثبات حجيتها .
للأسف بهذه الطريقة يتعامل عدد كبير من مسلمي اليوم ومن أبناء العقائد المختلفة مع بعضهم، مع أن الدين الإسلامي “وهو ما يهمني هنا” أبعد ما يكون عن هذه الطريقة، فهو يكرر في مواضع كثيرة ولثلاث مرات في صفحة واحدة “ثم اتبع سببا” للتأكيد على احترام البرهان العقلي وأنه أساس لقوة هذه العقيدة، فالحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها، كما جاء في حديث نبوي ضمن سياق احترام الآخر وعدم شيطنة آرائه فقط لأنه يتبنى عقيدة مختلفة.
هذه الشيطنة تجعلنا نرفض نظريات لأناس مثل (فرويد وماركس) فقط لأنهم يهوديان أو كافران، على الرغم مما يتبين لنا بعد ذلك من أن بعض ما جاءا به كان من الحكمة التي أُمرنا بالحرص عليها، ونتناسى أن أجدادنا المسلمين بنوا العديد من نظرياتهم على الأسس التي تركها فلاسفة يونان كفار وملحدون، فقط لأنهم كانوا يحرصون على الحكمة والأخذ بالأسباب كما يأمرهم دينهم وعقيدتهم .
ربما توضحت الصورة التي أردت نقلها، ولكن في النهاية ونحن أمام إعادة صياغة لمجتمعنا السوري هل سيكون التكفير وتسفيه الآخر هو عنوان المرحلة القادمة، أم أننا جميعاً سنخضع للحكمة التي أمرنا الله بها، يتساءل مواطن سوري وهو يقاتل لتأمين رغيف خبز .
المدير العام / أحمد وديع العبسي