الصراع بين الحق والباطل حتمي لا يمكن التهادن فيه، وقد قصَّ الله في آيات البقرة (246 -251) قصةً تبيّن لنا طبيعة هذا الصراع. ففي البداية: هناك قومٌ مستضعفون وظالمٌ اسمه جالوت أقوى منهم، ذهب الناس إلى النبي المرسل إليهم وطلبوا منه أن يبعث إليهم قائداً لهم ليقاتلوا في سبيل الله، فسألهم النبي: هل ستقاتلون إن كتب عليكم القتال؟ فأجابوه، وهنا وضحت النية غير الخالصة لله، فحال بعضهم أنهم لو أن دنياهم سليمة بمعنى أن ديارهم موجودة ولم يخرجوا منها مجبرين فلن يقاتلوا من أجل دينهم ومن أجل رفع الظلم عن أخرين مظلومين، ولهذا عندما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم.وهذه كانت أول تنقية للصف، فعند القتال يهرب الجبناء الذين لا يقاتلون عن عقيدة ويثبت القليلثم تأتي المرحلة الثانية، مرحلة المنافقين الذين رفضوا أن يكون طالوت ملكاً عليهم، وقالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه. وقد يكون من هؤلاء من ناضل ضد الظلم سنوات، ولكن لسبب أو لآخر لم يختره الله واختار أن يبعث لهم طالوت، فظهر نفاقهم وأنهم بكبرهم يرفضون أن يكونوا تحت رايته ويظنون أنهم أفضل منه. وقد ردَّ عليهم نبيهم، ولكن لا حياة لمن تنادي. وهذه كانت التنقية الثانية للصف من هؤلاء المنافقين.ثم فصل طالوت بالجنود وحذرهم من الابتلاء وأن الله مبتليهم بنهر، لكن الله يهدي من يشاء ويثبت من يشاء، فلم يلتفت منهم إلى التحذير، لضعف إيمانهم أو خلل في عقيدتهم أو لعدم الامتثال لأوامر القائد، والنتيجة فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ. فكانت التنقية الثالثة للصف من هؤلاء.ثم قال تعالى فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ لأول مرة في القصة يصف الله عز وجل من هو مع طالوت بالإيمان، ونلاحظ هنا أن القليل الذي وافق على القتال في البداية خرج منه المنافقون ثم صبر القليل من القليل على الابتلاء، وهم من وصفهم الله بالذين آمنوا، فبعد تنقية الصف على مراحل أصبح لدينا الفئة المؤمنة، ولكن حتى هذه الفئة التي هي قليل القليل فيها صنفان: الصنف الأول الذي لم تكتمل عقيدته أو اهتزت حين قالوا لا طاقة لنا اليوم بالتحالف الدولي وجنوده (عفواً) أقصد بجالوت وجنوده، فردَّ عليهم الصنف الأخر الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ وثبتوهم وقالوا لهم : كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ولكن هذا بِإِذْنِ اللَّهِ والنصيحة وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فاصبروا.وعند اللقاء توجهوا بالدعاء إلى الله، وهذا لنعلم أن النصر فقط من عند الله ولا دخل لأحد به.وتأتى المفاجأة: ففي هذا الصراع الذي تحكيه الآيات عند اللقاء يقول الله عز وجل عن المعركة فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ بهذه السهولة انتهت القصة، فكل العبر والتعاليم في أول القصة، أما لحظة النزال فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وكأن الله يخبرنا أنه إذا أصبح صفنا نقياً من المنافقين والجبناء وأصبحنا من أصحاب العقيدة السليمة ودعونا الله وجعلنا يقيننا أن النصر من عنده بلا تفاصيل سنهزمهم بإذن الله……
الصراع بين الحق والباطل
مجاهد خطاب