عبدالملك قرة محمد |
إنَّ الصراعَ على السُّلطة يكون بين أحزابٍ وجماعاتٍ لكلٍّ منها أهدافٌ وتطلعاتٌ تختلف عن الأخرى، وغالباً ما يحمل الصراع على السلطة صبغةً سياسيةً بحتة تلخِّص ما يصبو إليه المتصارعون.
على خلفية الأحداث الأخيرة أُغلقت جميع الطرق المؤدية لتحقيق مطالب الشعب السوري، ومنعت المجريات مرور أيِّ قرارٍ دبلوماسي يؤدي لسقوط الأسد، وذلك بسبب ازدحام المؤتمرات السياسية من جهة وتبلور الخلافات العسكرية من جهةٍ أخرى لتتحولَ إلى صراعٍ سياسي واضح وفاضح سيحرف بدوره بوصلة الثورة عن أهدافها في إسقاط الأسد وتحقيق الحرية والعدالة داخل المجتمع السوري.
ظهرت في الآونة الفترة الأخيرة أهدافٌ ومصطلحاتٌ جديدة حصرتِ الصراع بين الثورة والثورة بعد أن كانت بين الثورة وأعوان الأسد، فقد شغلت مسألة السلطة في المناطق المحررة بال جميع الفصائل والتشكيلات في الداخل السوري دون الالتفات لخطر داعش والنظام اللذان يحاولان دخول المناطق المتبقية بيد الثوار حيث تعتبر هذه المناطق الورقة الرابحة والوحيدة بيد الثوار خاصة بعد تخاذل عددٍ كبير من الدول على رأسها دولٌ كانت من المؤيدين للثورة لكنَّ التغيرات السياسية والصراعات الخليجية أحدثت تغيراً سياسياً في المواقف الدولية من الثورة والأسد.
أفرزتِ الخلافاتُ الأخيرة مشكلاتٍ داخلية معقَّدة في الداخل السوري خاصةً بعد انقسام الخطِّ الثوري إلى حكومتين اثنتين، كلٌّ منهما يخوِّن الآخر ولا يقبل به ويعتبره عدوه الأكبر والسبب الأول في عدم انتصار الثورة.
لابدَّ للجميع أن يستفيق من أحلامه وينفض غبار الأنانية ويغير عقليته في إقصاء الآخرين، فالثورة لم تقم من أجل السلطة أو التسلط بل إنَّ عفوية الثورة منذ بدايتها هي العامل الأبرز لصمود الثورة حتى الآن رغم كل النكبات والنكسات التي مرت بها.
ومن خلال المحاولات الروسية التي باءت بالفشل تظهر لنا ضرورة توحيد الكلمة والموقف في المحافل الخارجية والداخلية، فما مؤتمر سوتشي إلا عبارةً عن وريثٍ لا شرعي لأستانا وجنيف سيعيد الأهداف نفسها وسيشكِّل عائلة كاملة قد تصل إلى عشر سوتشيات أو ما يزيد عن ذلك.
ويبدو أن هذه المؤتمراتِ تحاول قتل الثورة عن طريق الموت البطيء، ففي كلِّ مؤتمرٍ إمّا أن تخسر الثورة داعماً سياسياً لموقفها أو أن تلحق المؤتمرَ حملةٌ عسكرية لبسط سيطرة النظام على مناطق جديدة، ويبقى المحتل الروسي يتشدّق بكذبته وهي “الحلُّ السياسي”.
وفي مؤتمر سوتشي برزت أهمية توحيد الآراء السياسية خاصة بعد رفض هيئة المفاوضات والجيش السوري الحر حضور المؤتمر مما أجبر روسيا على تأجيل المؤتمر وكسبَ الثوار من خلال الرفض جولةً سياسيةً ستعطي الثورة ثقلاً مهماً على طاولة المؤتمرات السياسية القادمة، والأهم من ذلك فقد كسبت الجهات الثورية الرافضة مصداقية كبيرة في الداخل السوري خاصة مع تعالي أصوات التخوين لكل من يحضر المؤتمرات السياسية لكن ومن وجهة نظرٍ سياسية لا بدَّ من حضور المؤتمرات السياسية التي تبدو أهدافها واضحة ومؤثرة على محرك الثورة المدني لكن يجب رفضُ أيِّ مؤتمرٍ غامضٍ يهدف إلى تقليص أهداف الثورة وتقسيم سوريا.
إنَّ توظيف الشقّين السياسي والعسكري في خدمة الثورة والمدنيين والمناطق المحررة بشكل عام سيؤدي في النهاية للتخلص من الصراع السياسي على حكم المناطق المحررة بالإضافة لإيقاف شلال الدم السوري المتدفق في المناطق المحررة نتيجة الاقتتال الفصائلي الداخلي.