ربما في ساعات الغفلة والانجراف اللاواعي وعدم الوقوف في وجه خارقي السفينة قد لا يأسف أحد على الغرقى، سيكون الناس هم من يدفع الثمن الأكبر، وسيحرق السذج أطواق النجاة لكي يجبروهم على مواجهة البحر وهزيمته، وسيقاتل المتوهمون قتالاً عظيماً، لكن البحر سيبتلع كل شيء في النهاية.
إنّ الدعوة للمواجهة وعدم الاستسلام، لا تكون بالذهاب نحو الموت عنادًا وتضحيةً وخلودًا ووصية، إنّ الرفض الذي لا يستلزم بدائله هو عبثٌ كبير في مصير الناس الذين يساقون إلى قدرٍ لم يكونوا طرفًا في صناعته، وإن قول “لا” في مواجهة “نعم” ليس معادلة صحيحة، كما أن قول “نعم” في مواجهة “لا”، ليس خيارًا صالحًا، إنما تستلزم الخيارات التي نتمترس خلفها أن تكون قادرة على حماية ما نؤمن به، أو حمايتنا على الأقل من أجل إنفاذ ما نؤمن به، أمّا ألّا يكون سوى عقد الأكفان وترتيل الوصايا والبحث عن سجلات الخالدين، فهو ضياع كبير وتضييع للأمّة ومواردها، وفتح الباب للّصوص ودعاة الموت والخراب لكي يتاجروا بشعاراتنا، ويبيعوا قضيتنا في سوق نخاستهم. والثمن من دمائنا ومستقبلنا وطيشنا وحماسنا.
وإن الدعوة للسياسة لا تكون بالتماهي والقبول بما يفرضه علينا الآخرون، هذا الانجراف قد يقتل في طريقه كل الخيارات الأخرى التي بإمكاننا صناعتها، وتستعجل طريق هزيمتنا، فلا أحد سيقدم لك ما يجعلك قويًّا إن لم تكن أنت كذلك.
المعضلة أننا لا نريد سوى التوجه نحو أحد الخيارين، إمّا الرفض كالواقفين على حافة المبادئ ريثما تخور أرجلهم فيسقطون، أو الذهاب إلى حيث لا نقدر سوى على القبول بفتات الموائد، على أنها كلّ ما يمكننا أن نفعله لنبقى على قيد الحياة.
ما دون ذلك فالتخوين والاتهام والتصنيف ومصادرة الرأي وادعاء الوصاية والمرجعية والمعارك البينية والأحلام الجوفاء بالخلاص، وتوزيع صكوك الوطنية وسحبها، يجعل أي خيارٍ آخر ضربًا من الجنون، نحن فقط من يستمر بالتراجع، ونحن فقط من يحارب من أجل أن ينتصر وحيدًا، أو أن يُهزم الجميع، إنه بحثٌ عن نصرٍ ضيقٍ جدًا لا يحدث في الحروب الكبيرة.
فليكابر الثوار بمثالياتهم، وليبقوا في عزلة أكبر ممَّا هم عليه من أجل التعالي اللامتناهي بشعاراتهم، وليخوضوا حربهم تجاه القداسة التي يعتقدونها فيما يؤمنون به وحدهم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي