نُقلت السفارة الأمريكية إلى القدس في إطار الاعتراف بها عاصمةً للكيان الصهيوني، واستقبلنا الخبر ببعض غضب تركناه في داخلنا، وببرودنا المعتاد أكملنا حياتنا ونحن نستنكر ما حصل، ونصرخ بين الفينة والأخرى، لن يسرقوا القدس، لن تضيع فلسطين، وأحلام (لن) التي نطلقها معلقة بفرَجٍ غيبي مستقبلي قادم، لا أعرف كيف يستقيم إيماننا به ونحن لا نفعل أي شيء.
أيّ خذلان نحن فيه إذا كانت القضية التي تربينا ونحن نردد اسمها ونقسم على الموت في سبيلها تُسلب منا بهذا الهدوء العجيب؟! أيّ بشر نحن، أيّ أصحاب وعد وقسم؟!
سيهدم المسجد الأقصى قريبًا، وستهدم الكعبة بعد ذلك ونترك الحج، سيُفتي لنا أحدهم أنه ركن الاستطاعة، وأنّنا عُجَّزٌ قصّرُ مكتوفو الأيدي مقيّدو الأرجل، معصوبو العينين، أصابنا شلل الفكر وذلّ الأرض، لا نستطيع حجّاً ولا صرفًا.
أيّ جنون أقنعنا بالصمت والتغاضي تجاه ما جرى؟ أيُّ تدجينٍ أقنعنا أن مقاومة الباطل ما عادت مجديةً؟! وأننا يجب أن نستمرئ الذل ونعيش بهدوء، ونستجدي الظلمة والأعداء حتى نعدّ العدّة، ونهيئ لهذا الأمر ما نستطيع أن نقاومه به، بل كيف يكون الإعداد مع المذلة؟! وكيف للأنفس التي تربت على حبِّ الدنيا والسعي لرفاهها أن تخشوشن من أن أجل الصبر على قضاياها ومقتضى وجودها؟!
لا شيء بعد القدس سيحيي أنفسنا أن أبقيناها ساكتة خاضعة، لا شيء سيقدر على تحركينا، ستستمر عجلة التواكل على الأجيال اللاحقة في طحننا ونحن نعيش كالماشية، نأكل ونتكاثر ونموت، وقد خنّا عهدنا وأمانتنا، وأسقطنا الرسالة التي خُلقنا من أجلها.
إن صوت التعقل الذي ندعو له بحجة اللاجدوى أصبح استسلاماً مقيتاً، فبين التعقل مع العمل والتخاذل مع الاستسلام شعرة معاوية التي ادعينا أننا نجيد إمساكها، فقطعناها وسرنا وراء شهواتنا وخوفنا إلى أن أصبحنا عبيداً أذلاء لا نقدر على شيء سوى التمني، نتوهم أن يأتينا فرج ما، لنفرح بنصرٍ تصنعه المعجزة.
لن تحدث المعجزة لأمثالنا، لأن المعجزات يصنعها الناس بمقاومتهم وصمودهم، ولا تأتي لمن يبحث عن أسباب الاستسلام فيسلكها بحجة العافية والسلامة لنفسه الضعيفة، إن التحديات التي نعيشها تحتاج أن نعلن حربنا ضدها في كل الميادين لا أن ننتظر حتى تسقط وحدها، فنسقط نحن ويسقط جيل المنتظرين فقط.
المدير العام| أحمد وديع العبسي