بقلم أنس إبراهيم
تكاد لا تخلو المستشفيات والمستوصفات من روّادها الذين لا يجدون بُداً من اللجوء إليها نتيجة الأعراض الجسدية التي يُصاب بها الإنسان في مفاصل حياته اليومية الاعتيادية.
فكيف بها اليوم في ظلِّ سنوات القصف والدمار، فهي لا شكّ تعجّ بزوّارها وتضجّ من كثرتهم وقلة مواردها الطبية وكوادرها العاملة.
هذه هي الصورة الطبيعية التي يراها المجتمع في حال حدوث أية إصاباتٍ جسدية طفيفة كانت أم خطيرة، بينما ما لا نراه إطلاقاً هم أولئك الذين يتعرضون إلى أشدّ وأقسى الضغوطات النفسية نتيجة تفاقم الأحداث التي تتمحور حول كافة سُبُل العيش بشكل مباشر.
فمجتمعنا لا يستطيع أن يرى ذلك بشكله الطبيعي، واعتباره نتيجة لازمة لتلك الأعباء التي تلقيها الحياة اليومية على عاتق الإنسان.
ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى طبيعة مجتمعنا المسلم الذي يخلط بين مفهوم العلاقة الإيمانية بالله وبين ضرورة معرفة أسباب الاضطرابات النفسية التي يتعرض لها الشخص، ووجوب السعي لعلاجها عند أهل الاختصاص في هذا الشأن من غير قدرته على أن يفصل بينهما.
ولأنَّ الكثير منَّا يتعرض بشكل يومي إلى ضغوطٍ حياتية كبيرة، وربما تكون أحياناً فوق قدرة الإنسان على التحمّل، ويصعب التكيّف معها بشكل جيد، فقد دعا مركز إبداع المرأة في حي المشهد إلى ندوة توعوية بعنوان:
(الضغط النفسي وعلاقته بالجانب الإيماني) ألقتها الأستاذة فاطمة الحكيم المرشدة النفسية في المركز الطبي في بستان القصر.
وقد زارت صحيفة حبر مركز إبداع المرأة، وحضرت الندوة وكان لها حديث مع المحاضرة.
هلَّا حدثتنا الآنسة فاطمة بإيجاز عن مركز إبداع المرأة وأهميته في هذه المرحلة التي تعيشها المرأة السورية؟
أنشئ هذا المركز لتنمية مهارات المرأة العملية والفكرية، والارتقاء بها إلى المستوى المطلوب لتستطيع أن تساهم في بناء المجتمع الجديد، وتكون قادرة على تنشئة جيل واع يحمل مسؤوليته من خلالها.
ما هو الهدف من هذه الندوة؟
كان الهدف من هذه الندوة هو توضيح الفرق بين الاضطراب النفسي والمرض العقلي، وإلقاء الضوء على أهمية الإرشاد والعلاج النفسي في معالجة آثار الضغوط الحياتية والأخطاء التربوية والصدمات المفاجئة. وكذلك أيضاً توضيح الأعراض الجسدية والانفعالية والمعرفية الناتجة عن ذلك الاضطراب، وقد ذكرنا أنّ ما نلاحظه في كثير من الحالات التي تردنا من عند أطباء العظمية والقلبية والداخلية بسبب شكاية المرضى من آلام جسدية منشؤها نفسي حيث تصل إلى نسبة 50 % من مجملها.
إلى أيّ حدّ يمكن أن يكون الفصل بين قوة الإيمان أو ضعفه وبين مواجهة هذه الصدمات النفسية بالمتابعة والعلاج؟
لا يوجد أي رابط بين التعرّض لآثار تلك الضغوط ومواجهتها وبين قوة الإيمان أو ضعفه؛ ففي حالة التعرّض للمواقف المفاجئة إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار على أنَّها حالة مرضية كمثيلاتها من الحالات الجسدية وأنَّه يجب متابعتها، تنتج عنها آثاراً سلبية تطغى على السلوك الإنساني بشكل نفسي، ويتأتى ذلك من عدم المقدرة على التفكير بشكل جيد حيال هذا الموقف، أمَّا الحالة الإيمانية هي علاقة قائمة ومستمرة مع الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن تكون على الإطلاق عائقاً أمام العلم وما توصّل له من دراية ومعرفة في علم النفس لمعالجة هذه الحالات والتخفيف عنها، لتعود إلى وضعها الطبيعي السليم.
غالباً ما يلتبس على البعض الفهم الحقيقي لتلك الضغوط والأعراض الناتجة عن آثارها ويصفونها بالأمراض العقلية أو ما شابه ذلك؛ وهذا فهم خاطئ وبعيد كلَّ البعد عن الصحة ممَّا يدفع الكثيرين للابتعاد عن التوجّه الصحيح في التواصل مع من يساعده في معالجة الآثار الناجمة عن الضغوط النفسية.
لا يستطيع أي عاقل منَّا أن ينكر أهمية علم النفس وضرورة متابعة تطورات النفس البشرية صعوداً نحو الارتقاء وهبوطاً نحو اليأس وفقدان الأمل وصولاً إلى الحضيض في خضمّ هذه المآسي والكوارث الإنسانية التي لم تعثر إلى الآن على صدّيقٍ أو فاروقٍ لينقذ شعوب الأمة من تدهورٍ نفسيّ من شأنه أن يجبر هذه النفوس المقهورة والمظلومة التي لم تحظَ بأي عدالةٍ إنسانية أو اجتماعية أو شخصية بالقيام بسلوكيات استثنائية وغير طبيعة ناتجة عن تراكم تلك الأزمات النفسية المحتدمة.
فالحقيقة أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يتكيّف مع كلِّ هذا التوحّش بشكل مباشر وبمفرده، فهي تعتبر كأيّ مشكلةٍ أخرى نلجأ فيها إلى من يساعدنا في حلها، فلا بدَّ ممَّن نستعين بهم من ذوي الاختصاص للمساعدة في إدارة آثار تلك المواقف والتكيّف معها.
فممّا يجب أن نفعّله في مجتمعاتنا المثقلة بجراحاتها بالتزامن مع تهافت المنظمات الإنسانية بكثرة هو تأسيس مركزٍ للإرشاد النفسي، واستقطاب كوادر من ذوي الخبرة والكفاءة إلى الداخل السوري؛ لمعالجة جميع الحالات ولتعمل على تدريب كوادر جديدة وناشئة في هذا المجال فيصبح أكثر رواجاً ويوضع له القبول فيما بيننا.