تعيش تركيا إرهاصات أزمة اقتصادية ذات خلفية سياسية دولية بحته تستهدف الإدارة التركية بقوتها الناعمة ودبلوماسيتها البراغماتية التي تعتمدها في سياق علاقاتها الإقليمية والدولية للحدِّ من صعودها ونموها السياسي والاقتصادي والعسكري المتلون الذي بات يشكل أرقاً لكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة.
هذه المتغيرات على الجسد الاقتصادي التركي ستلقي بظلالها حتماً على السياسة الداخلية والخارجية للحكومة التركية، وستنعكس ارتداداتها على ملفات إقليمية ودولية قد تغير الخريطة الجيوسياسية في المنطقة وتكون انطلاقة لحقبة توازنات وتكتلات جديدة.
الملف السوري الذي بات بمعظمة عملياً بيد الساسة الأتراك قد يكون أحد المتضررين من تبعات الأزمة الاقتصادية التركية وهو ما يتم الحديث عنه الآن في منطقة خفض التصعيد الأخيرة (إدلب) التي تواجه حملة إعلامية وتهديدات مستمرة من قبل نظام الأسد والروس بلغت ذروتها أمس الجمعة بهجمات جوية خلفت ضحايا مدنيين رغم الوجود التركي في هذه المنطقة وتأكيده المستمر على تفاهمات أستانة.
غير أن الاستدارة التركية نحو روسيا عقب العقوبات الأمريكية أخلت بميزان الدبلوماسية الذي تتبعه تركيا في تعاملها مع الملف السوري وبالأخص أنها الضامن لمنطقة إدلب المستهدفة بالبروغبندا الروسية، مما سيضع تركيا في مأزق كونها ضامن في مواجهة الروس، وتحاول في الوقت نفسه مواجهة الغطرسة الأمريكية بالقطب الروسي، وفي عالم السياسة ليس هناك شيء بالمجان، فالمواقف تحسب بالمصالح والتكتلات تبنيها التنازلات للأقوى.
لذلك قد تكون ورقة خفض التصعيد إحدى أوراق أنقرة الإقليمية التي قد ترمي بها على طاولة التنازلات مقابل مصالحها القومية في معركتها الاقتصادية مع واشنطن وخصوصاً أنها باتت مضطرة للدوران حول الفلك الروسي لإتمام مشاريعها الاقتصادية والعسكرية (السياحة – الطاقة – الأسلحة).
كما أن التناغم الروسي الأمريكي في الورقة الكردية يتطلب من أنقرة بناء المزيد من عوامل الثقة لكسب الموقف الروسي وإبعاده عن نسيج العلاقات المبني على المنفعة المتبادلة والتسوية بين قطبي اللعبة في سورية والتي ستكون حتماً على حساب الأمن القومي التركي.
ويبقى ملف منبج بين الأتراك والأمريكان صمام الأمان لما تبقى من ركائز العلاقة بين البلدين، وفي حال نكلت الولايات المتحدة بتعهداتها حول منبج فستقطع شعرة معاوية في علاقاتها مع تركيا التي تحاول أن تحرص على وجودها كيلا تكون ضحية المافياوية السياسية التي يديرها ترامب وبوتين.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل وضعت المعارضة هذه السيناريوهات أمامها؟ وماهي خططها للحيلولة من السقوط في مصيدة التفاهمات والمقايضات الإقليمية لاسيما أن درس الأردن والضامن الأمريكي ليس ببعيد عنا، بل إن بعض أوجه الشبه باتت واضحة في الملف (التركي- السوري) و (الأردني – السوري) من ضغوط اقتصادية وأمنية بات يعاني منها أحد أكبر حلفاء المعارضة السورية.