لقد أصبح من الواضح مؤخراً الإقبال الكبير على طلب العلم و الدراسة و لعل أبرز الظواهر التي تؤكد ذلك زيادة عدد المدارس في المناطق المحررة و زيادة عدد الطلاب ، ثانوية محمد ممدوح شعيب هي إحدى ثانويات الشمال السوري كانت تضم سابقاً من ال10 إلى ال15 طالب في كل صف أما الآن فقد تضاعف العدد ليضم كل صف حوالي الثلاثين طالباً و هذه الزيادة شملت جميع مدارس المنطقة و لا يسعنا ذلك إلى أن نقول أن ما يحصل ما هو إلا نهضة علمية حقيقية تغزو الشمال السوري و وثبة نحو العلم و الدراسة ، ما يحصل هو أشبه بما سمعنا عنه في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية فمثلما جمعوا حطامهم و درسوا بين الحطام ها هم سكان المخيمات يقيمون المدارس بين الخيم و يعلمون أبنائهم .
ظاهرة أخرى تنتشر مؤخراً أيضاً وهي إقبال الأشخاص من الذين جاوزوا الثلاثين من عمرهم نحو تغيير مسار حياتهم بالكامل والرجوع إلى مقاعد الدراسة بعد تركهم لها لسنين طويلة ما جعل المجتمع يعيش حالة تحفيز ذاتية فأصبح الأفراد يغارون حرفياً من بعضهم غيرةً للعلم وحذرا ً لخطر الجهل وآثاره.
مفهوم العلم قد أصبح حاضراً في عقول مختلف فئات المجتمع ، مؤسسات و كوادر كثيرة همها الآن إعادة إعمار المدارس التي تهدمت أثناء الحرب و العديد من المعلمين أصبح شغلهم الشاغل إقامة الفعاليات و النشاطات للتذكير بضرورة العلم ، ليس فقط المعلمون بل و الطلاب أيضاً ، من مدينة بنش يروي لنا طالب المعهد الطبي مجد هاجر حادثة استشهاد أستاذ الرياضيات الأكثر خبرةً عندهم الأستاذ مصطفى علوش و هو أستاذٌ كان قد تسلم أمور تدريس مادة الرياضيات لجميع طلاب مدينة بنش و كانت وفاته صعقة حقيقية لجميع الكوادر العلمية هناك و أدى إلى تراجع ملحوظ في صفوف طلاب المرحلة الثانوية ما أنذر بخطر حقيقي عندهم و هنا قرر مجد بخبرته السابقة و شغفه بمادة الرياضيات أن يسد الثغر الذي حصل فلبى الحاجة و أصبح معلماً لزملائه الذين درسوا معه البكالوريا و نظم دروساً دورية لطلاب المرحلة الإعدادية في مدينتهم ، يقول مجد إن حالة أن يكون الشخص مُدرساً و دارساً في آنٍ واحد أصبحت منتشرة جداً في مناطقنا نتيجة استشهاد بعض الأساتذة و هجرة البعض الآخر .
قصة مجد هي إحدى ظواهر النهضة العلمية الحاصلة والذي يرى البعض أن الإدارة الناجحة لمديرية التربية كانت سبباً رئيسياً لها وأن تعاون الأساتذة والمعلمين فيما بينهم كان له نتائج مشجعة أيضاً.
عمر البم طالب في جامعة إدلب -كلية العلوم الإدارية يرى أن الإقبال المتزايد على المدارس والجامعات سببه توقف المعارك والهدوء العام الحاصل وأن هذه النهضة هي أمرٌ جيد سنلاحظ نتائجها مستقبلاً عندما تتوفر لدينا الكوادر المتعددة والتي اكتسبت خبرة حياتية نتيجة عيشهم ودراستهم في أجواء صعبة.
لم تقتصر هذه الطفرة العلمية بنتائجها على المجالات العلمية فحسب بل كان لها تأثير على أمور مختلفة من مجالات الحياة الأخرى، فتنظيم المنشآت التعليمية كان له دور بتمدد ذلك لباقي المنشآت والمؤسسات المدنية كما إن عدد الطلاب الكبير استدعى وجود وسائل نقل إضافية بتنظيم جديد ما أدى إلى زيادة النشاط السكاني والاقتصادي، وإن أهم ما يلاحظ هو زيادة الوعي العام لدى السكان وسيطرة العقلية العلمية على الشارع ودحض الأفكار والرؤى التضليلية والمزيفة.
بحديثنا عن تطورات المجال العلمي لدينا فالجميع يتفق أن للأمن و الأمان دوراً رئيسياً لرجوع الطلاب إلى مدارسهم و يضيف السيد بشار الباشا أسباباً أخرى على ذلك ، يقول الأستاذ بشار و هو أستاذ لغةٍ عربية و أحد أوائل الذين ساهموا بمجال التربية في المناطق المحررة إن ازدياد معدلات البطالة جعل الكثير يعدلون عن قرار تركهم للمدرسة حيث لجؤوا للدراسة آملين أن تتوفر لهم فرص العمل لاحقاً و يضيف الأستاذ بشار في نهاية حديثه أن اعتزال الكثير من المقاتلين السابقين ممن كان في صفوف الجيش الحر جعلهم يختارون مجال الدراسة عوضاً عن مجالهم السابق في العسكرة .
من المؤكد أن الفترة القادمة ستشهد طفرة علمية كبيرة على مستوى المنطقة خصوصاً أن المنطقة هنا قد تخلصت من حكم بشار الأسد والقيود التي كان يفرضها على رواد هذا المجال، الجميع يأمل وينتظر أن يصبح هذا البلد مستقبلاً بلداً متطوراً وحديثاً وأن يكون هذا الشعب قدوةً لباقي الشعوب للذين لم يثوروا على طغاتهم.