عندما تختلطُ المعاناة الجسدية والفكرية والنفسية لدى الإنسان، فإن المعاناة؛ تصبح ثلاثية الأبعاد، وتكون نتائجها كارثية، ليس على المستوى الشخصي فحسب، بل تتخطاها لتصل على المستوى العائلي أيضًا، وهذا حال أغلب الحالات التي تعرضت للدمار النفسي والجسدي في سورية الذي لم تخلو منه فئة عمرية.
المرشدة الاجتماعية والنفسية (ماريا) في الثلاثين من العمر، تعمل في إحدى الجمعيات السورية في إسطنبول، وخلال عملها واجهت حالات كثيرة متأثرة نفسيًا بالحرب في سورية، وخاصة فئة الأطفال تحت سن 14 فقد روت بأنها صادفت خلال عملها بإسطنبول، حالات كثيرة تدل على عمق المعاناة النفسية للسوريين، وهذه الحالات أصبحت كثيرة في مجتمعنا، في ظل وجود مئات المصابين والمصابات، نتيجة الحرب الدائرة في سورية، والطفلة (نغم) إحدى هذه الحالات.
نغم، ذات العشرة أعوام، فتاة صغيرة، تعرضت منذ ثلاث سنوات لإصابة أدت إلى بتر يدها اليسرى، ولم تستطع تجاوز هول الصدمة حتى الآن..
تقول ماريا: “عندما أسمعها تردد: أين ساعتي الزهرية التي اشتراها لي أبي ينفطر قلبي حزنًا عليها.”
نغم وقبل تعرضهم للقصف، كانت قد لبست ساعة زهرية، اشتراها لها والدها، وقد فرحت بها كثيرًا، ومازالت متعلقة بها، رغم بقائها مع يدها التي بُترت واندثرت تحت التراب..
في كل ساعة يد، ترى نغم ساعتها، وتهلوس بها، وتستذكر مجريات الأحداث التي باتت كابوسًا لها، فرغم مضي ثلاث سنوات على الحادثة، إلا أنها ماتزال تردد الجملة نفسها: “لم أعد ألبس ساعتي..”
تقول ماريا: “إنها طفلة مميزة وذكية إلا أنها تعاني من جروح نفسية لم تندمل رغم اندمال جرحها الخارجي”.
رغم الجروح النفسية والجسدية، إلا أن نغم تحاول التعلم، فقد ذكرت ماريا بأنها تتعلم اللغة التركية كي تُشغل نفسها بعيدًا عن التفكير بما جرى معها.
نغم، وأمثالها بالمئات بل بالآلاف، رمتهم رحى الحرب على حافة الهاوية وتركتهم يعانون الألم النفسي أكثر من الألم الجسدي، ليكونوا أدلة على وطن مثقل بالجراح والألم والحزن، وشواهد حية على إجرام نظام زرع بأفعاله الإجرامية آثاره في الأجساد والنفوس.