خطر تربوي وتعليمي وصحي يهدد الأطفال
إن كنت تملك دراجة نارية أو سيارة لا بدّ أنك شارفت على صدم أحد أولئك الأولاد الذين يملؤون الشوارع، أو أنك تسببت بإيقاف مباراتهم الكروية المشتعلة بين فريقين وجدوا في الشارع ملاذهم الوحيد لتنمية موهبتهم وممارسة الرياضة الأكثر شعبية في العالم.
لماذا اختار هؤلاء الأطفال الشوارع للعب كرة القدم رغم وجود الرياضة ضمن الحصص الدراسية في المدارس؟ وما السلبيات التي تلحق بالمجتمع نتيجة هذه الظاهرة الاجتماعية التي تنتشر في كل زقاق وحي شعبي؟
بدايةً إن وجود الأطفال في الشوارع بعيداً عن عيون الكبار قد يؤثر عليهم سلبياً من الناحية التربوية، إضافة إلى أن هذه الظاهرة تزعج المارة وسكان المنازل القريبة من الشوارع التي تتحول في كثير من الأوقات إلى ملاعب كروية يملؤها الصراخ والضجيج، كما تحدث مشاجرات مؤذية بين الأطفال اللاعبين نتيجة قلة الوعي ورغبتهم بتحقيق الفوز، ويدفعهم إلى ذلك محبتهم لكرة القدم.
مدارس خالية من التجهيزات الرياضية
حصة الرياضة مهمة جداً لعدة أسباب لا تقتصر على الترفيه، فمن المعروف أن الطلاب يفضلون هذه الحصة عن كل الحصص، ومع وجود تجهيزات رياضية ستنخفض نسبة الغياب، وهذا لوجود عنصر الترفيه الذي يشدُّ الأطفال، وبالتالي ستنخفض نسبة التسرب.
صحيفة حبر التقت الأستاذ (معد طالب) مدير مدرسة البوابية (حلقة أولى) في ريف حلب الجنوبي الذي قال عن وضع المدرسة المتردي في مجال الرياضة: ” لا يوجد اهتمام كبير في الرياضة ضمن المدرسة وذلك لعدة أسباب منها:
- عدم وجود المعلم المختص، وتقتصر حصة الرياضة الأسبوعية على لعب كرة قدم.
- عدم وجود معدات رياضية في المدرسة.
- عدم اهتمام مديرية التربية بحصة الرياضة لضعف الإمكانات.
- وجود بعض الركام والحفر في باحة المدرسة بسبب تعرض المدرسة للقصف في وقت سابق.
- إهمال جانب المنافسات الرياضية بين المدارس، وعدم تشكيل فرق رياضية من أجل المسابقات الرياضية.
في المدرسة يوجد ساحة كبيرة متاحة للطلاب والشباب في أي وقت حتى خارج أوقات الدوام رغبةً منا بتخفيف ظاهرة اللعب في الشوارع المزدحمة التي تؤدي غالباً إلى مشكلات مرورية وحوادث، ولا يوجد معدات رياضية سوى كرةُ قدم، والسبب يعود لتعرض الصالة الرياضية للقصف، ممَّا أدى لحريق داخل الصالة واحتراق المعدات المتوفرة.
دعم الرياضة المدرسية في المناطق المحررة حقيقة أم خيال؟
يبدو أن الاهتمام في الرياضة المدرسية بات آخر الاهتمامات في الوزارة والمجمعات، ويعود ذلك إلى شح الإمكانات، واقتصار معظم الجهود على توفير الكتب ورواتب المدرسين بما معناه الاهتمام بالتعليم وإغفال الجوانب الترفيهية الأخرى التي تساعد الطالب على تلقي المعلومات وتقبل المدرسة كبيتٍ ثانٍ خاصة في سنوات الدراسة الأولى، فحتى الآن يعاني المتعلمون من الحصص الجافة كتوالي حصص الرياضيات واللغة العربية والتاريخ والمواد الأخرى التي تعتمد الأسلوب النظري غالباً، وهذا يدعو لوجود حصص ترفيهية تفصل بين الحصص الأخرى، وحصة الرياضة أهم الحصص التي يجب الاهتمام بها، فهي ليست ترفيهياً فقط بل هي تنمية بدنية للطالب تقيه من أمراض وتمنحه القوة واللياقة.
ومما يدعو للتفاؤل وجود منظمات تعمل في المجتمع المدني تدرك أهمية هذا الجانب في تنمية شخصية الطفل ممَّا سينعكس إيجاباً على وضعه العلمي في المدرسة.
منظمة شفق إحدى تلك المنظمات التي تعمل في مدينة إدلب وتؤمن بدور الرياضة وتأثيرها في نفوس المتعلمين لذلك التقينا (الأستاذ جميل عنداني) مسؤول النشاط الرياضي في منظمة شفق الذي صرح: ” كنا فرقاً جوالة تهتم بالدعم النفسي، لكن عندما دخلنا إلى المدارس لا سيما الثانوية لاحظنا أن هؤلاء الطلاب يعانون من عدم توفر مساحة صديقة لممارسة نشاطاتهم، بالإضافة إلى عدم توفر الأدوات نتيجة التعرض للقصف أو السرقة، لذلك قمنا بتقديم مشروع رياضة مدرسية يستهدف بدايةً المدارس الثانوية، والمشروع عبارة عن نشاط رياضي نجريه في كل مدرسة يستهدف جميع الصفوف الموجودة، بدأنا العمل في مدرسة المتنبي بدوري رياضي استمر شهر وعشرة أيام.
وقمنا بتقييم أداء الطلاب من خلال سلم بياني لقياس مدى التطور النفسي والتعليمي، وكانت النتائج مبهرة وسط تعاون من إدارة المدرسة، فالطالب امتلك مساحة للإبداع ليمارس موهبته ويفرّغ طاقاته ويغير تفكيره نحو المدرسة، فكان النشاط متكاملاً داخل الصف وخارجه، وما قدمناه للمدرسة عبارة عن صناديق أنشطة تحوي كل التجهيزات الرياضية التي يحتاجها اليافعون، فيما بعد انتقلنا إلى مدرسة الثورة فواجهتنا مشكلة عدم توفر الملعب نتيجة سقوط صواريخ فيه، فقمنا بترميم الملعب وإصلاح المرميين، وقمنا أيضا بنشاط متكامل يحاكي نشاط مدرسة المتنبي في الطريقة والنجاح، كما قمنا بتشجيع رياضات أخرى.
ونسعى للقيام بأنشطة في كل المدارس ثم سنشكل فرقا رياضية تمثل هذه الثانويات ضمن دوري متكامل، وسننقله من المدارس إلى الملاعب المعشبة للوصول إلى مستوى احترافي جيد، وبالإضافة إلى الأنشطة المدرسية قمنا بالإشراف على دوري جامعة إدلب وهدفنا تنمية الرياضة داخل كل المؤسسات التعليمية”.
الرياضة وارتباطها التشعبي مع التعليم
لا تقتصر الرياضة على أمور ترفيهية ولعب كرة القدم، بل قد تكون ضرورة تعليمية، التقينا الأستاذ (وسيم ستوت) إداري في مدرسة حزرة، وأحد المهتمين بالرياضة المدرسية، وصاحب عدد من النشاطات على صعيد الأندية الرياضية داخل المناطق المحررة، الذي أعرب عن أسفه حيال الرياضة المحلية بقوله: ” للأسف لا وجود لمدرس رياضة في التربية حتى مع وجود التجهيزات الرياضية، فهذا لا يكفي نتيجة عدم وجود المشرف أو المدرب القادر على توجيه الأطفال لتحقيق أكبر استفادة بدنية ممكنة.
أما في الدارس المدعومة من قبل المنظمات فقد يكون مدرس الرياضة غير مختص ولا يستطيع النهوض بقدرات الطلاب، ويعتقد البعض أن مُدرِّس الرياضة عنصر ثانوي وهذا خاطئ، إذ من الممكن أن يقوم مدرس حصة الرياضة بربط النشاطات والألعاب لتكون مستوحاة من كل المواد، واهتمام الغرب بالرياضة المدرسية ساعد في نهضة كل الدول التي تتصدر قائمة الأفضل تعليماً في العالم، ناهيك أن الرياضة تساهم في منع الأمراض لا سيما العظمية، لذلك فالاهتمام بها أولوية.”
لابد في النهاية من التنويه إلى جهود المعلمين في عدد كبير من المدارس ضمن حصص الأنشطة في محاولة منهم الانتصار على الضعف في مجال الرياضة، بالمقابل لا بد من تسليط الضوء على بؤر الضعف التعليمي داخل المناطق المحررة وعلى رأسها البؤرة الرياضية.