غسان الجمعة
في المجتمع بعض الاعتقادات تدوم، ولكن ذلك لا يعني أنَّها صحيحة، وبعضها الآخر يتجذر، ولكن ذلك لا يعني أنَّها عادلة.
تسود في مجتمعنا فكرة تحقيق الإنجاز “المهم هو النتيجة” دون النظر إلى الظروف والأدوات التي تمَّ فيها تحقيق هذه النتيجة سواء على الصعيد الفردي أو المؤسساتي وحتى السياسي والاقتصادي، ويدعم هذا التفكير رأي يقول: “إنَّ الحياة تتكون ممَّا يحدث في الواقع، لا ممَّا كان يمكن أن يحدث..
ولكن الإنجاز أو النتيجة على أي صعيد تخفي في الوجه الآخر الممكنات والجهود المبذولة لتحقيق هذا النفع، وماهي الفرص البديلة المهدورة في سبيل تحقيق هدف معين.
ولعلَّ الربط بين قيمة مجموعة القدرات والوسائل، وقيمة مجموعة النتائج المحققة يكشف لنا بوضوح عن الإنجازات الفعلية، ويظهر لنا الفوارق الخفية المتباينة في النتائج المتشابهة.
فالفارق كبير بين من يصوم تطوعا ويقطع عن نفسه الطعام والشراب، وبين من يعاني الجوع من إملاق رغماً عنه ، أو بين من يتبرع بألف ليرة ويملك مئة ألف ليرة، وآخر يتبرع بمثلها ويملك خمسة آلاف ليرة.
وفي هذه الأمثلة نستطيع إبراز فكرة القدرة على الاختيار للظروف والأدوات، وكم الممكنات المبذولة، في حين إنَّ النتائج متشابهة، ولكن ليس من العدل المساواة بين أي من الإنجازين في المثال الواحد؛ لأنَّ المقاييس الحقيقية للمقارنة تأخذ بعين الاعتبار عنصر التكلفة والجهد والفوارق في الفرص والموارد والثقة والبيئة سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي بكافة ألوانه الاقتصادية والسياسية والثقافية.
وهكذا فإنَّ هناك أسباب كثيرة واقعية تدفعنا إلى تغيير رؤيتنا نحو مفاهيم الإنجاز والتقييم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؛ لأنَّ النظرة السطحية لرأس الهرم دون الأخذ بالقواعد والأسس المبني عليها هي نظرة مزيفة ومشوهة عن حقيقة الفشل والنجاح، فالأفكار التي تقوم عليها العدالة الاجتماعية مثل تكافؤ الفرص والمساواة والنفعية و توسيع ونشر مشاريع التعليم و الصحة والتنمية وغيرها، يجب أن تنسجم في مضامينها مع مجموعة المبادئ التنظيمية لقيمنا الأخلاقية والفكرية والثقافية و احتياجات الواقع التي يقوم عليها مجتمعنا حتى نحقق أدوات ومعايير النجاح على المستوى الفردي والجماعي وفقاً لفلسفاتنا و بيئتنا، لا وفقاً لتجارب ونتائج الآخرين .