لم يبقِ النظامُ سلاحاً إلا استخدمه لضرب الاستقرار داخل المناطق المحررة، فإلى جانب الخلايا النائمة والقصف العنيف الذي يعود قبيل عيد الفطر كما في كل عام تعود ظاهرة الإشاعات بمنكبٍ عريض إلى الواجهة من بوابة العفو العام، فهل يريد النظام أن يختبر ردة فعل الشارع السوري على إصدار العفو المزعوم؟
الإشاعات وخلفياتها
يبث النظام هذه الإشاعات لأهداف عدة منها: تخدير وإشغال الناس عن المطالبة بالمعتقلين، جذب المؤيدين وتقوية الحاضنة الشعبية، إشغال المعارضين بقرار سيصدر عن مؤسساته مما يمنحه صفة سيادية يحاول خلقها بطرائق عدة بين معارضيه، الضغط الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي، ضرب استقرار المناطق المحررة وتزامن هذه الإشاعة مع عودة القصف وكثرة الاغتيالات مما سيؤدي إلى فوضى على جميع الأصعدة الإنسانية والعسكرية والإعلامية، إضافة إلى ذلك فإن النظام يعزف في بداية أي معركة على الوتر النفسي للتأثير على الناس وإجبارهم على الخروج أو حتى التعلق بقشة العفو العام الذي سيشملكم أيها المعارضون يا من خرجتم على النظام وثرتم، وما كذبة العفو العام إلا لتمرير غايات نظام الأسد في الوصول إلى عقول الناس البسطاء الذين لمّا يألفوا أساليبه.
العفو العام كذبة في كل عام
تصدر إشاعة العفو العام فتخلق أملاً في قلب أولئك الذين ينتظرون أحباءهم، لكن هذه الإشاعة ليست بجديدة فالنظام يصدر في كل عام إشاعات العفو العام بمناسبة الأعياد وكلها غير حقيقية وهدفها الضغط النفسي وضرب الاستقرار كما تحدثنا أعلاه.
منذ عام 2013 لم تصدق أي من هذه الإشاعات، لكن النظام أصدر “عفواً عاماً” عام 2014 لكنه عفو خاص بأولئك المجرمين والقتلة، ولم يشمل ذاك العفو الذين ارتبطوا بالصراع السياسي وتحوّل أغلب المجرمين الذين أطلقوا بموجب العفو إلى مرتزقة وشبيحة ومجموعات تسمى “الدفاع الوطني”.
وبهذا لم يكن العفو إلا تأكيداً على أن الخارجين ضد الدولة أشدّ إجراماً من القتلة والمزورين والسارقين محاولاً تثبيت هذه الفكرة في عقل مؤيديه ليزرع فيهم الخوف والرعب، كما أن العفو غالباً ما يكون أداة للقهر خاصةً عندما ترى طريقة تعامل جيش الأسد مع أهالي المعتقلين الذين يذهبون لاستقبال أقربائهم فيواجهون بالتهديد والضرب أو حتى الاعتقال، فالعفو خاص لا عام ولا يشمل من رفع غصن الزيتون وصرخ بكلمة حق، وكيف سيخرج من ثار ومعظم الثائرين معتقل اعتقالاً تعسفياً ولم تصدر بحقه أي عقوبة ولم يقدم للمحاكمة!
وأوضحت القاعدة الروسية “حميميم” أن إصدار أي عفو سيزيد من حالة التوتر في سورية ونشرت عبر حساباتها “لا توجد معلومات حول وجود “عفو عام” في البلاد، كما أننا نعتقد أن خطوة مماثلة قد تتسبب بالمزبد من الفوضى في سورية، لذلك يتوجب علينا جميعاً العمل على الحد من وجود الأفراد المتورطين بأعمال تخريبية.”
وغالباً ما تكون الإشاعات تسجيلاتٍ صوتية أو تسريبات لمكالمات تنسب إلى عاملين في الدوائر الأمنية لنظام الأسد، وإصدار هذه الإشاعات والقنابل الإلكترونية وظيفة الجيش السوري الإلكتروني الذي يعمل خلف الشاشات على تلميع صورة الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الجيش الذي ينشر تعليقات موالية لسياسة الأسد ويساهم في تزوير الإحصائيات والاستبانات التي تعارض نظام الأسد كما يحاول هذا الجيش أيضاً حذف أي مقطع فيديو مناهض لحكم الأسد من موقع يوتيوب والمواقع الأخرى.
وكان وقع هذا العفو الخلّبي عظيماً على مواقع التواصل، إذ تفاعل معه المعارضون والمؤيدون بتعليقات بين الجد والسخرية.
” بكرا بطالعو ألفين واحد من هالسجون اللي عليهن جنح وحشاشين ومن هالحكي طالع قبل هاد العفو كتير إعفاءات واللي أجا يسلم حاله ويعدل وضعه ما عاد بين وشغلة تانية بعد كل هالقتل اللي قتله بدو يكون رجع يحبنا لا بالله مافي شي من هالحكي، مخطط عبنفذه ولافي إعفاء ولا شي وإن شاء الله يكون صح والله يفك أسر كل المسجونين ويفرج عنهم”
” إن شاء الله يصدقو هالمرة.. أما ما يخص الإرهاب : الخوف من كل مرة يصدر عفو كما صدر ونحن بالسجن ..فقط يشمل استخدام المفرقعات الصوتية . فما وجد معتقل ينطبق عليه هذا الاستثناء المخزي”
” كفاكم غباء. …. الذي يريد اصدار عفو عام وشامل وكامل ما بيعمل مجزرة كيماوي بدوما قبل كم شهر لكن للاسف نحن شعب ينسى بسرعة لا لشيء لكن لاننا تعودنا الاستمتاع بسادية المجرمين”
” أصدر الرئيس بشار الأسد عفو عام عن المساجين وفِي زيارة تفقدية شاف عجوز سألو قديش صرلك مسجون جاوبو العجوز من أيام أبوك حافظ الأسد التفت بشار إلى مرافقه وقال هذا خليه مسجون لأنو من ريحة الوالد”
والغريب أن الجميع يربط العفو بإخراج المعتقلين السياسيين رغم أن ذلك لم يجرِ مسبقا،ً فالنظام يخرج بضع مئات من المجرمين ويبقي على الآلاف داخل سجونه.
وإلى جانب التعليقات المعارضة انهالت تعليقات الثناء والإشادة بحنان الأسد وعطفه وسماحته وحكمته وربط البعض صدور العفو بعيد الفطر وآخرون بذكرى موت الطاغية حافظ الأسد، لكن العسكريين رأوا أن هذا العفو يجب أن يشملهم فهم في الخدمة منذ سنوات ولم يسرحوا بعد.
” الله يكون بعوني وبعون دورة 102 الي ما تسرحنا الله كبير والله يخلينا سيادة السيد الرئيس بشار الاسد ويحفظلنا سورية”
“مابدو يطلع عفو عن يلي متصاوبين اكتر من ٣ مرات او صرلو ٦ سنين خدمة وغيرو عأساس عم يدرس وعم يأجل ونحنا تدمر مستقبلنا وهنن عملو مستقبلون كل العفو يلي عم يطلع مابفيدنا نحنا”
العفو العام وسيلة لتوطيد الحكم وكسب تعاطف الشعب والتمويه على الجرائم لخلق حاضنة شعبية وليس النظام من يتبع هذه الطريقة بل إن كل التنظيمات والأنظمة المستبدة تحاول كسب تعاطف الناس من خلال تأكيد السلطة المستبدة بأنها تستطيع أن تعتقل من تشاء وتفرج عمن تشاء وكلنا يذكر كيف أصدرت داعش عفواً عاماً عن 100 معتقل بعد دخولها مدينة الباب في حلب 2014 بمناسبة إعلان أبو بكر البغدادي للخلافة، فهل سنقع في الفخ مستقبلاً أم إن الفهم السياسي نضج في عقولنا وسنضبط النفس عند التداول والتفاعل؟