عبد الملك قرة محمد
لقد شكل مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي وحصار دولة قطر محوري التحول في طبيعة العلاقات السعودية التركية التي لم تمر بنكسات فعلية قبل حدوث عملية الاغتيال.
لقد أشعلت مواقف تركيا المناهضة لسياسات السعودية لا سيما بعد تسلم محمد بن سلمان زمام الأمور في المملكة فتيل الأزمة بين البلدين، لتتحول فيما بعد إلى حرب إعلامية تقودها كبرى الوكالات والقنوات الإعلامية ومئات الحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ربما يكون للصراع بين البلدين ناتجاً عن النزاع على تصدر العالم الإسلامي خاصة بعد وجود ترهل في السياسة السعودية أمام الزخم الذي تدفع به تركيا في هذا المجال، حتى أن كثيراً أصبح يرى في تركيا قطباً إسلامياً رغم أنها تظهر علمانيتها، لكن هذه النظرة تعود إلى جذور تاريخية تمتد إلى زمن الدولة العثمانية خاصة مع الشعبية التركية التي تتفوق على الشعبية السعودية عند العرب.
من يشاهد الإعلام السعودي يلاحظ هول الحرب بين تركيا والسعودية، فعلى سبيل المثال لاحظنا قناة العربية كيف تعاطت مع عملية نبع السلام في شمال شرق سورية على أنها احتلال وراحت القناة السعودية تحاول إظهار الوجه السلبي والطائفي للعملية.
تركيا هي الأخرى أقصت السعودية من تعاون كان وجودها به ضرورياً لا سيما بما تتمتع به من ثقل إسلامي، حيث أعلنت تركيا عن تعاون تركي باكستاني ماليزي لمحاربة الإسلاموفوبيا دون أن يكون للسعودية أي دور فيه، هذا ما أعطى التعاون ضعفاً في التأثير والوصول.
على صعيد الدراما تحاول السعودية رغم أنها أهم دولة إسلامية إنتاج أعمال درامية تشوه صورة الدولة العثمانية التي يعتبرها معظم المسلمين دولة خلافة لا احتلال، وهذا ما يمكن أن نراه في العمل الدرامي الضخم (ممالك النار) الذي تنوي قناة mbc السعودية بثه على نقيض المسلسل التركي الشهير أرطغرل.
تركيا ردت على الهجوم السعودي عبر وكالتها الرئيسة (الأناضول) واستنكرت الوكالة التركية في تقارير كثيرة ميل الإعلام السعودي لما أسمته تشويه الحقائق، وقدمت الوكالة أمثلة منها تقرير: “لماذا قتلت الدولة العثمانية 1.5 مليون أرمني؟” نشر في صحيفة عكاظ، وتقارير أخرى تتحدث عن ممارسة القائد العثماني فخر الدين باشا، الظلم والانتهاك ضد سكان المدينة المنورة، في الفترة بين 1916 ـ 1919.
ومن خلال متابعة إعلام البلدين نجد أن الإعلام التركي لم يهاجم السعودية بذات الحدة؛ ربما لأن السعودية تملك مكانة مهمة في قلوب الأتراك، كما أن تركيا تنظر إلى الدول العربية على أنها عمق إستراتيجي، أضف إلى ذلك أن السعودية في عملية اغتيال خاشقجي وحصار قطر تأخذ دور المتهم، أما تركيا فتحاول أن تكون محامي الدفاع في المسألتين.
كما أن العلاقات الثنائية بين تركيا وأمريكا من جهة، والسعودية وأمريكا من جهة أخرى، ساهمت في تأجيج الأزمة بين البلدين دون أن يأخذ بالحسبان التاريخ الطويل الذي يجمع البلدين وضرورة التوصل لاتفاق بين السعودية وتركيا لمواجهة المطامع الاستعمارية التي تضرب الشرق الأوسط لا سيما بعد أن أثَّر سوء العلاقات بين البلدين على معظم قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والثورة السورية.