تعدُّ حقول الغاز التي تم اكتشافها عام 2010 في منطقة شرق المتوسط مصدرًا غنيًا للطاقة، حيث أشارت تقارير صادرة عن المؤسسة الأمريكية للمسح الجيولوجي إلى أن الاحتياطي في منطقة الشرق الأوسط يبلغ 122 تريليون متر مكعب و1,7مليار برميل نفط، إذ إن مخزون العالم من الغاز 187 مليار متر مكعب، مما يفسر تسابق شركات الاستثمار والتحالفات الدولية بغية السيطرة على تلك المنابع للطاقة النظيفة، ففي عام 2017 وصف باحثون الاحتياطي السوري من الغاز في منطقتي تدمر وقارة وساحل طرطوس وبانياس بأنه الأكبر بين الدول الست بعد أن كانت في المرتبة 43 في احتياطي الغاز، وإذا ما تم استخراجه سيجعل سورية ثالث بلد مصدِّر للغاز في العالم وربما تنافس قطر وروسيا وإيران، حيث قُدر احتياطي الغاز بـ28,5 بليون متر مكعب حسب مركز دراسات فيريل.
ويتمثل الاحتياطي السوري من الغاز والبترول في البادية السورية والساحل بواقع 83% بينما يوجد في الجزيرة السورية 12% فقط، وبحسب دراسات ستبدأ آبار الجزيرة بالنضوب عام 2022 بينما باقي الحقول في البادية والساحل ستبقى حتى 2051 على الأقل إن بدأ استغلالها عام 2018 إضافة إلى الحقول الثلاثة المتوسطة الحجم الموجودة شمال تدمر التي تكفي لتزويد سورية بالطاقة الكهربائية 24 ساعة يوميًا لمدة 19 عامًا.
هذه الثروة من الغاز والموقع الإستراتيجي المهم يفسر استماتة روسيا وإيران للدفاع عن سورية، حيث أنشأت روسيا قاعدة بحرية دائمة في طرطوس للاستفادة من بحر الغاز هناك إضافة إلى تأمين منفذ لها على المتوسط، أما إيران فهي تسعى أيضًا لتنفيذ مشروعها وتأمين ممر بري يخترق العراق في نقطة الحدود بين البلدين ثم شمال شرقي سورية إلى حلب وحمص وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط بحسب تقرير نشرته الغارديان البريطانية، فبعد أن وقَّعت إيران اتفاقيات لنقل الغاز عبر العراق إلى سورية في تموز عام 2011 أصبحت سورية بؤرة منطقة التجميع والإنتاج بالتضافر مع الاحتياطي اللبناني وهو فضاء إستراتيجي –طاقي يَفتح لأول مرة جغرافيا من إيران إلى العراق إلى سورية فلبنان، وقد كان هذا الأمر من الممنوعات سابقًا الأمر الذي يُفسر حجم الصراع على سورية ولبنان في هذه المرحلة.
إن انتقال الغاز إلى البحر المتوسط يستوجب المرور عبر سورية، لذلك اختارت إيران طريق العراق ثم سورية فالبحر المتوسط لنقل الغاز، ما أطاح بمشروع (نابوكو) القطري المدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وثبَّت مشروعي السيل الشمالي والجنوبي الروسيين مع ما يضاف إليهما من استثمارات في شرق المتوسط كأولوية على حساب الأمريكيين والغرب.
إن الغاز في شرق المتوسط سوف يُحدث تغييرات جذرية في العلاقات الدولية يصعب تجاهلها خاصة أن عوائده الضخمة يمكن أن تغير مسارات شعوب المنطقة، فروسيا وطهران هما المنافسان للغاز الأمريكي، وذلك عبر مشروع “نورد ستريم ٢” الروسي الذي يهدف إلى مضاعفة قدرات أنبوبي الغاز “نورد ستريم١” بحلول ٢٠١٩لإيصال مزيد من الغاز لألمانيا بشكل مباشر.
ويشتبه أوربيون بسعي الولايات المتحدة لفرض عقوبات على إيران قد تطال صادرات الغاز والنفط الموجهة لأوروبا بهدف تجميد احتياطات الغاز الإيرانية الضخمة، لذلك طالب ترامب الأوربيين بالتخلي عن “نورد ستريم٢”وجعله ورقة تفاوض لإعفائهم من رسوم الفولاذ والألومنيوم إلا أن ميركل تدافع بشدة عن مشروع أنبوب الغاز الإستراتيجي “نورد ستريم ٢”، لأن الغاز الطبيعي المسال الأمريكي أغلى من الروسي، والغاز الطبيعي يجب أن يكون موضع تنافس في ألمانيا التي لديها أسواق حرة، بحسب مصدر حكومي ألماني.
فإلى متى سيبقى السوريون وقودًا لتلك الحرب بين الدول المتصارعة على أراضيها من أجل الغاز؟!