تستمر ميليشيات قسد بمحاولتها لتجميل صورتها القبيحة عند شريحة من المجتمعات التي احتلت أرضها ودمرت بيوتها وشردت سكانها، فتدعي أنها الحركة الديمقراطية المدنية التي جاءت لتحرير الناس من ظلم داعش، متجاهلة أنها الوجه الآخر لداعش بطائفيتها وإجرامها وتحالفها مع كل أعداء الثورة ضد شعبها.
يتحدث هذا التقرير عن محاولات قسد القيام بغسيل دماغ نساء تعرضن لما تعرض له كل الشعب السوري من معاناة وظلم، وإيهَامِهنَّ أن هذا الظلم مختص بهنَّ دون غيرهنَّ، لكسب تعاطفهنَّ وانتسابهنَّ إلى صفوف قسد لاحقاً.
بدا صف ستار أكاديمي طريفاً للوهلة الأولى في الشمال الشرقي من سورية، فزواياه مزينة بالزهور الحمراء وبالأثواب التقليدية المطرزة، لكن عُلِّقَت صور على امتداد الجدران لميليشيات نسائية، وللمقاتلة الثورية اليسارية روزا لكسمبرغ.
“من الذي تظلمه الدولة؟” تسأل ريحان لوقو طالباتها، فيصرخنَ “الرجل”، “ومن يظلم الرجل؟”، تسأل المدربة وعمرها 21 سنة، فتجيب الطالبات: “المرأة”.
توضّح نظريتها من خلال رسم توضيحي على السبورة البيضاء، وتعّرف الطالبات على التنظيم اليساري ذي الأيديولوجيا النسائية الذي تدعمه الولايات المتحدة الذي يهيمن عليه الأكراد قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وهم يتبعون عبد الله أوجلان قائد حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) المسجون، الذي تحتل صورته المبتسمة مكانها على الجدار.
ولسنوات حقق البي كي كي نجاحا محدودا لنشر أفكار أوجلان عن الحكم بلا دولة، (أو ما يسميها الأمة الديمقراطية)، في أوساط المجتمعات الكردية عبر الشرق الأوسط، لكن منظمة قسد؛ المنظمة الأخت لمنظمته هي التي لديها الفرصة الأولى لمحاولة لتحقيق الأيدولوجيا خارج مقرات الجماعة في جبال قنديل، حيث استفادوا من الدعم الأمريكي ومن أجواء الفوضى التي عمت سورية لست سنوات، وتمكنوا من السيطرة على ربع البلاد.
لكن ثمة بعض المعوّقات: فمعظم المناطق التي يسيطرون عليها تقطنها القبائل ذات المجتمعات العربية المحافظة التي لا ترتاح لأيديولوجيا الجماعة الكردية، وفي محاولةٍ للتغلب على هذه العقبات تستهدف قسد النساء العربيات من خلال هذه الأكاديمية مثلا، في محاولة منها إيصال رسالتها إلى مجموعة كانت منذ مدة طويلة مهمشة.
تقول حياة القائدة الكردية في قسد التي تدير مركز المرأة في مدينة الطبقة العربية التي استولت عليها قسد من داعش: “نعطي كل طاقتنا للنساء، فهنَّ سوف يعلّمنَ الجيل القادم الذي سيقوم المجتمع عليه”، وكانت لتوها أرسلت مجموعة كبيرة من النساء إلى ستار أكاديمي.
بالنسبة إلى قسد فإنَّ التشجيع على هذه المفاهيم ليس من أجل المبدأ فقط، إنما هي خطوة براغماتية باتجاه رغبة الجماعة لإحكام سيطرتها على المناطق التي انتزعتها من داعش.
فخلال أربع سنوات من حكم داعش أجبرت النساء على ارتداء ملابس سوداء من الرأس حتى أصابع القدم، وعلى عدم خروجهنَّ من البيت تقريبا، وبعض النساء أبدينَ الفضول تجاه التنظيم الذي سيطر مؤخرا على مناطقهم، فالنساء في هذا التنظيم يحملنَ البنادق ويحكمنَ إلى جانب الرجل، حيث تقضي السياسة المستوحاة من أوجلان أن يكون كل منصب قيادي مشتركا بين رجل وامرأة.
تحضرُ المجندات مدة شهر في مدينة رميلان الواقعة شمال شرق سورية، حيث يمتاز مركز ستار أكاديمي بالنوافير الرخامية ونباتات الزينة المعلّقة التي تضفي على المكان تبايناً خاصاً وسط البلدات التي مزقتها الحرب، النساء يجب أن يسلّمنَ أجهزة الهاتف المحمول، كي يحافظنَ على التركيز ولا ينشغلنَ عن تنفيذ الواجبات وتناول الوجبات وترتيب غرف نومهنَّ.
تقول إيمار المرأة العربية وعمرها21 سنة من الطبقة: “لقد قضينا أربع سنوات دون هوية، أما الآن فنحن نتعرف على تاريخ النساء، وهذه الأشياء لم تكن قط معروفة لنا”.
السيدة لوقو الكردية الصغيرة ذات الصوت الجهوري، التي تدرّس منهاج أوجلان لتاريخ المرأة، تقول: “إن المجتمعات الذكورية في الشرق الأوسط دُمرت قبل 5000 سنة، حيث احتكر الرجال المعرفة من خلال احتكار مهارة الكتابة التي اخترعت حديثاً.”
وتقول: ” جاء بعد ذلك عصر الديانات التوحيدية التي استخدم فيه الدين كسلاح بأيدي الرجال، أما اليوم فهو عصر “القذارة الرأسمالية” التي ليست أفضل من سابقاتها، وتشير إلى استخدام أجساد النساء في الإعلانات، حيث يتم شراء المرأة وبيعها”.
العديد من النساء في مركز ستار أكاديمي لديهنّ قصص تقشعر لها الأبدان من الاستغلال الذي تعرضنَ له، ويروينَ قصصاً عن إجبارهن على الزواج وهنَّ مراهقات، وكيف ضُرِبنَ من قِبَل أزواجهنَّ، أو عوملنَ كجوارٍ من قبل أقاربهنَّ.
وتروي ريم التي عمرها 28 سنة كيف عانت من كل ما سبق، فقد تزوجت من ابن عمها وعمرها 16 سنة، ثم طُلِقت منه، لكن آثار الندوب ما تزال واضحة على وجهها.
وتقول: “لم أعد أحب أهلي فهم لم يقفوا في صفي”.
وتقول ولاء التي عمرها 18 سنة أنهم وجدوا مجتمعا جديدا في منظمة قسد للنساء: “لقد تعلمت الكثير وخصوصا من هذا التدريب، كم كنا مظلومات، فعائلتي كانت ترى كل ما يفعله أخي فريدا من نوعه، وكل ما أفعله أنا غير مهم، الآن تعلمت أنَّ ما أفعله في حياتي له معنى”.
لكن بعض العرب قلقون من أن ما تفعله قسد سوف يمزق المجتمع، ويقولون: “إنها أدت إلى خلافات زوجية وحدوث حالات طلاق.”
يقول شيخ قبلي من الطبقة طلب عدم ذكر اسمه: “نساؤنا متحررات أصلا، فنحن نسمح لهنَّ بالذهاب إلى المدرسة والعمل، إن هذا مجرد تمزيق للأسرة”.
ويصرُّ قادة قسد على أنهم ببساطة يساعدون من هم بحاجة للمساعدة.
تقول العديدات من اللواتي انضممنَ إلى قسد: “أن الأسباب مادية بهدف الحصول على عمل، وخصوصا غير القادرات على متابعة تحصيلهم العلمي، والنساء اللواتي تركهنَّ أزواجهنَّ، أو نبذتهنَّ أسرهنَّ.
أنفال التي عمرها 21 سنة لم تتمكن من إكمال تعليمها الثانوي بعد سيطرة داعش على الطبقة، قدمت طلباً للعمل مع قسد، فعينت في منصب مشرف على توزيع المعونات الإنسانية، وكمنسقة من الأمم المتحدة.
بيد أنَّ النقاد يقولون: “إن قسد تستغلُ أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع. ويضيفون: “إن الجماعة التي يقودها الأكراد تأخذ أيضا نساء شابات وغير متعلمات، لأنهنَّ لا يستطعنَ العثور على مرشحات في أماكن أخرى” وقال أحد العاملين في مجال الإغاثة في منطقة الطبقة: “إن اليائسين جدا فقط يعملون معهم”.
إن أخفقت قسد بكسب القبول الشعبي، فإن تلاميذها سيتبنون تعاليمها.
وبعد مقاطعة الطالبات للسيدة لوقو ليروينَ قصصهنَّ عن المعاناة والعذاب، ذكّرتهم أن داعش لم تكن أول ظالم لهنَّ، إنما كان قبلها نظام الرئيس بشار الأسد، إنها الدولة التي حولت الرجل إلى مستبد في البيت.
وقالت: “هل هذا هو المجتمع الذي نريده الآن؟ هل سنبني مدننا بهذه الطريقة؟”
فهززنَ رؤوسهنَّ بالرفض معاً قائلات: “لا”.
صحيفة الفايناشال تايمز
رابط المقال الأصلي:
https://www.ft.com/content/1d309a50-f084-11e7-b220-857e26d1aca4