علي سندة |
يتمنى العديد من الناس كل يوم فرصًا تساعدهم على الوصول إلى مراتب أفضل، ولأجل ذلك يبذلون ما بوسعهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر إن اضطر موظف لإيجاد مهارة (قيادة فريق) أو إيجاد لغة أجنبية، تراه يسجل ضمن برامج تدريبية حتى يتمكن من تلك المهارة، بل إن بعضهم قد يضطر إلى الوساطة لتحقيق الوصول، فتراه يتوسل لدى فلان ويترجى فلان، إلى أن يتحقق ما يريده.
ما تقدم في جزء كبير منه حق لكل فرد لو نظرنا إليه من باب إعمار الدنيا وعدم نسيان نصيب الفرد منها، لكن كم نصيب الآخرة من عمل الفرد يوميًا؟ كم يتوسل الإنسان للأشخاص سواء في العمل أم في أي مجال يوميًا، ويعقد الأمنيات على نية تحقيق ما يصبو إليه؟! بالمقابل كم يتوسل لله عزل وجل؟ هل يطلب من الله يوميًا بقدر ما يطلب من الناس؟ بل هل يطلب مراده من الدنيا فضلًا عن الآخرة بقدر ما يطلبه من العبد؟
في عصر السرعة وتحقيق الوصول والمواكبة، تنشط الدنيا وتبرز للإنسان هدفًا متجددًا يدخل في كل تفاصيل حياته، فلو تحقق هدف الإنسان يتجدد بصورة ومظهر آخر، فيكمل التفكير والسعي خلف ذلك الهدف الذي لن ينتهي إلا بموته ورحيله من الدنيا الفانية التي بذل لأجلها حياته، وبتلك الطريقة يُسلب الإنسان كل ما يوصله للآخرة، لأنها تحولت عنده إلى أمر ثانوي متوفر، فيتولد في ذهنه أنه سيعود إليه يومًا ما، لكنه في غمرات الدنيا غارق، وهيهات هيهات له أن يغير السكة مالم ينتبه إلى أمر مهم جدًا يمثل الفرق الجوهري بين الدنيا والآخرة، بل إنه يدخل بهما معًا من باب التوازن.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:
“بُعِثْتُ بِجَوامعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أنَا نَائِمٌ رَأيْتُني أُتيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ، فَوُضِعَتْ في يَدي”. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتُمْ تَلغَثُونَهَا، أو تَرغَثُونَهَا، أوْ كَلِمِةً تُشْبِهُهَا.
والمقصود باللغث طعام يغش به الشعير، وترغثونها أي ترضعونها، والضمير (ها) عائد إلى الدنيا، والمقصود من الحديث الاعتصام بكتاب الله وسنته والإعراض عن الدنيا وزينتها وجعلها دار انتقال لا بقاء وغاية.
إن الفرق الجوهري بين أماني الدنيا والآخرة هو العمل والهمة لتحقيق الوصول لا شيء آخر، فلأجل الدنيا تُبذل الهمم في سبيل الوصول ويفكر الإنسان ليل نهار حتى يتجاوز كل العقبات، أما لأجل الآخرة في زماننا تترك الهمم والعمل ويبقى الأمر حسب الفراغ إن توفر لدى الإنسان، لتصير الدنيا بسطوتها أولية مسيطرة على التفكير، وتصيح الآخرة شيئًا ثانويًا خارج التفكير؛ كل ذلك بسبب الإعراض عن العمل للآخرة وقصره على الدينا فقط، فلو جعِل معشار العمل للآخرة يوميًا لكفى.