عبد العزيز الحيصأتى تحفظ المعارضة السورية ممثلا في الهيئة العليا للمفاوضات عن المشاركة في مؤتمر جنيف-3 مبرراً، أمام تعنت المجتمع الدولي وعمله على تبني أجندة إيرانية روسية تهدف إلى وضع الحرب على الإرهاب كأولوية، بينما يتم تجاهل الحصار والتجويع واستمرار القصف على المدن السورية، وتهميش عملية الانتقال السياسي المطلوبة في سوريا والتي تهدف إلى إسقاط النظام غير القابل للإصلاح، والمسؤول الأول عن الأزمة في سوريا.حين أقرّ مجلس الأمن خطته التي سُميت «بالطموحة» في الثامن عشر من ديسمبر الماضي لحل الأزمة في سوريا، والتي تتمثل في إنجاز مفاوضات بين المعارضة والنظام السوري تخلص إلى عملية انتقال سياسي تنهي الحرب في سوريا، كانت الأنظار تتطلع إلى شهر يناير وما سيحدث. وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس حينها أعلن عن ضرورة وجود الضمانات لرحيل الأسد، فبحسب قوله «كيف يمكن لرجل أن يجمع شعباً بعدما أسهم إلى حد كبير في المذبحة». كان من الصعب التفاؤل بالمجتمع الدولي ودوره، بعد الانحدار المخيف الذي مرت به الأزمة السورية على مدار سنوات، ولم ينلها من المجتمع الدولي غير خداع الوعود والتسويف.سريعاً انكشف الدفع الدولي إلى تبني أجندة إيرانية روسية تهدف إلى التغاضي عن النظام السوري والتركيز على محاربة أطراف غيره. وكان تحفظ المعارضة عن المشاركة، أو المشاركة بوفد صغير غير تفاوضي، هو كما يقول برهان غليون لأجل تصحيح وجهة المفاوضات كي تتبنى عملية انتقال سياسي، وكذلك حل الملف الإنساني وإيقاف الحصار والقصف قبل بدء أي مفاوضات سلام.إن الدول التي تشهد جرائم ضد الإنسانية كسوريا تتطلب تدخل المؤسسات الأممية والدول الكبرى دون انتظار مشاركة أحد. ما يحدث في سوريا هو العكس، يُطلب من القوى المشاركة تجاهل هذه الجرائم وتهميشها وغض النظر عن النظام المسؤول عنها.ومنذ بداية الثورة السورية قبل سنوات، لم يكن موقف التعليق والتسويف الدولي في دعم إسقاط الأسد موقفاً داعماً أو محايداً، بل مثّل دعماً للأسد على أرض الواقع. فالتناقض الحاصل من التصريحات المتتابعة حول فقدان الأسد لشرعيته وضرورة رحيله، مع عدم الدفع باتجاه ما يؤيد هذه الأقوال والنوايا، دفع نظام الأسد لمضاعفة إجرامه لعدم وجود ما يخسره سياسيا.إن إغفال مصير الشعب السوري وما يتعرض له في معادلة القوى الدولية جريمة مماثلة لجريمة النظام.لقوى الدولية مخدوعة إن ذهبت خلف حكاية النظامين الروسي والإيراني في جعل محاربة الإرهاب أولوية، التاريخ يخبرنا أن اللاعب الأول في كبح الإرهاب هو المجتمعات ودورها. فالمجتمع الناقم والمنقسم والمتعرض للفوضى والاضطهاد هو من تنمو لديه خلايا وحاضنات التطرف، أما المجتمع المعافى فيندر فيه ذلك. إن الفوضى الناتجة من استمرار القصف البربري وحملات الحصار والاعتقال والتعذيب لن تنتهي قبل أسبابها. النظام السوري والروسي يستمران في القصف البربري، ووراءهم ميليشيات إيران الطائفية، وفي الأخير نجدهم، ويا للظرافة السوداء، أول من يهتم للإرهاب ويزعم محاربته.قيل سابقاً: إن الأزمة السورية انتقلت من يد الثوار وأصبحت بيد أطراف دولية، وما يحدث اليوم يعيدها إلى أيدي الثوار والمعارضة وداعميهم، إن تم تفويت هذه الفرصة الأخيرة من قِبَل النظام الدولي، الذي لا يزال دوره يتمثل في مساعدة النظام السوري ليتحاور مع نفسه.نقلا عن العرب القطرية