الأفكار من تحكم العقول وتوجهها وتدفعها للسلوك، فإما أن تكون إيجابية نافعة أو سلبية تودي إلى التَهلُكة، والانحراف الفكري سببه التطرف، يخرج فيه صاحبه عن قواعد الدين والتقاليد والأعراف والأنظمة الاجتماعية السائدة الملزمة لأفراد المجتمع، كما أنه لا يعترف بأفكار الآخرين ولا يحترمها.
فتنظٌيم الدولة الإسلامية “داعش” مجموعة من أطباء ومهندسين وعلماء ومثقفين من العرب والأجانب من حول العالم إضافة إلى عدد كبير من العناصر محدودي الثقافة، ولو كانوا مجموعة من الجُهال لما عاشت الدولة كل تلك المدة، لكنهم يحملون فكرًا متطرفًا.
أسلمة التطرف خطر كبير
واجه المتطرفون من يخالف أوامرهم ويحمل فكرًا يناهض فكرهم خلال فترة سيطرتهم على بعض المدن السورية بالتعذيب والقتل، وكانوا ينسبون كل عمل يقومون به للإسلام، فأي دين ذاك الذي يأمر بقتل الناس والتفنن بأساليب القتل حرقًا وغرقًا ورميًا بالرصاص وقطع الرؤوس والأيدي والأرجل على أتفه الأسباب؟!
“أسلمة التطرف” هو الخطر الأكبر لأنه يشوه صورة الدين الإسلامي أمام شعوب العالم من الأديان والمذاهب الأخرى التي خرج منها “هتلر” و”بوتين” و”بشار”.
ولو فكرنا مليًا لرأينا أن المتطرف يحجز عقله داخل صندوق، يدافع عن مقتنياته بكل قدراته مستخدمًا الخداع أو التضليل، فيقلب المفاهيم ويشوه الحقائق ويقدم أدلة من دين الإسلام غير كافية ومناقضة للواقع، أي يجتزئ منها ما يناسب فعله، لأن المعلومات التي يتلقاها تأتيه على شكل أوامر لا مجال فيها للنقاش، وإن واجه مشكلة لا يعرف كيف يتصرف معها إلا بالعقوبة واستخدام القوة، فيتعامل مع الأمور البسيطة بصرامة، بينما يتجاهل الأحداث الكبيرة ويتعامل معها بسطحية وتجاهل.
الإسلام دين يدعو إلى الوسطية والتوازن والمحبة والتآلف والسلم والعدل بين الأطراف المتنازعة دون تحيز لأحد لأنه السبيل لوحدة الفكر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تُهامة بيضا، فجعلها الله هباء منثورًا” وتابع الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه إنهم إخوانكم من أبناء جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذونه ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها”.
لكنه بيَّن صلى الله عليه وسلم أيضًا فضل التراجع عن الخطأ والعودة إلى الحق في الحديث ” كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”.
علاج التطرف الفكري
يعتقد البعض أنه لا سبيل للقضاء على الفكر المتطرف الذي يرتكب أفظع جرائم القتل والتنكيل سوى المواجهة بالقتل والتدمير، إلا أن هذا التفكير خاطئ فالتطرف فكر والفكر يتغير في أي لحظة، وعلينا أن نكون أصحاب حجج ومرجعية فكرية دينية صحيحة لإعادة الشباب ممن انخرطوا ضمن التنظيم.
الخطر والشر يحيطان بنا من كل جانب، واجتثاث الأفكار المتطرفة بات ضرورة تستحق الاهتمام واتباع كافة السبل الكفيلة في الوقاية من زيادته، وبناء على ذلك وبعد انسحاب “تنظيم الدولة الإسلامية” من شمال حلب نشأت فكرة افتتاح “المركز السوري لمحاربة التطرف” في مدينة مارع في 27 أكتوبر 2017 بهدف إعادة عناصر سابقين للاعتدال الفكري وتخليصهم من الأفكار المتطرفة.
يبلغ عدد المقاتلين الذين يخضعون للعلاج 100 مقاتل مقسمين إلى مستويات بحسب المعتقدات والجرائم، محاضرو المركز مختصون من حاملي الشهادات الجامعية وما يفوقها إضافة إلى مختصين في مجال التطرف الفكري.
تتم آلية العلاج وفق برامج يحددها المختصون ضمن المركز يخضع خلالها المقاتلون لجلسات جماعية حوارية ونفسية وجلسات انفرادية بشكل يومي لمدة تتراوح ما بين الشهر إلى ستة أشهر قابلة للتمديد.
كما تم تخريج 6 نزلاء من المركز وهم حاليًا يمارسون حياتهم الطبيعية ضمن المجتمع، حيث أصبحوا عناصر فاعلين ومنتفعين وآمنين على جميع من حولهم بحسب ما أكد مدير المركز “حسين ناصر”.
إنَّ فكرة المركز خطوة جيدة تدفع بصاحب الفكر المتطرف للخروج بأفكاره من سجن التقليد الأعمى والتبعية إلى رحابة الفكر العقلي وآفاقه، مع قليل من الصبر بغية وصوله إلى ما يؤمن به دون أذية لمن حوله، ولا شيء مستحيل أمام إرادة الإنسان ومع الوقت سيعود بحياته للشكل الصحيح، ليس من الضروري اليوم ربما في المستقبل.
مقولة “إن كنت تؤمن بفكرة عليك أن تدافع لأجلها” صحيحة لكن الإنسان المسلم مسؤول عن حياته، ورده الاعتداءات واجب، لكن عليه تجنب الغضب والحقد لأنهما يولدان الكفر وإهانة الخلق وقتلهم فيه تحدٍ وإهانة للخالق عزَّ وجلَّ.