علاء العلي |
ترافقت الثّورة السّورية على امتداد أعوامها السّابقة بتبدّل خطوط التّماس التي يكتنفها مشاريع لا تعدو حدود من سيطر وتحكّم بالموارد والمقدّرات المتاحة.
بالوقت الذي يسيطر على شرق الفرات تنظيم قوات سورية الدّيمقراطيّة (قسد) التي لا تنتمي لطبيعة شرق الفرات بشريًّا ولا سياسيًّا، كونها مدعومة من التّحالف الدّوليّ الذي شكَّل لها حماية قانونيّة وصدَّرها حليفًا رئيسًا في محاربة تنظيم الدّولة، إلا أنها تُعدُّ أحد فروع حزب العمال الكردستانيّ بنسخته السورية، حيث إن (قسد) تصنف على لوائح الإرهاب الدّولي ولا تحمل أي مشروع وطنيّ، بل ترفع شعارات عرقية قوميّة انفصاليّة تناصر أقليّة تسكن شرق الفرات وهي المكون الكردي، بل إن برنامج عملها متطرّف تسبّب بسرقة موارد المنطقة (سلّة سورية الغذائيّة والنّفطيّة)، وتغيير ديمغرافي خطير أدى إلى تهجير مكون العشائر السّورية، بحجة أن شرق الفرات امتداد تاريخي لهم، وهذا ما لا يتلاءم مع حقيقة وطبيعة الصّراع والتّاريخ.
ليس شرق الفرات فقط من حاد عن مشروع البلد الواحد، بل مناطق النظام السّوري بما يحتويه من زخم الميلشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية ذات المذهب الشّيعي المتطرّف جدًا، التي استوطنت مدعومة بقرارات رأس النّظام، تم بموجبها تغلغل وتموضع بشري طائفي وحتى عسكري في دمشق ودرعا وحمص وريف حلب والبوكمال وضفّة الفرات الغربيّ، معظم هذه التّشكيلات تصنّف بالتطرف، فهي عابرة للحدود كما يراها المجتمع الدّولي، لا تحقق أيًّا من أشكال التوافق مع النّسيج السّوري، فضلاً عن أنها دخيلة عليه.
أما الشّمال السّوري فالمسيطر عليه هيئة تحرير الشّام التي تسعى للخروج من بوتقة التّصنيف الذي يلحّن به الرّوس في كل محفل دولي، حيث إنها تجري تغيرات تواكب الساحة وتسعى لتقديم أنموذج يتوافق مع السياسات الدولية، فهي الأخرى تمتلك غطاءً شبه رسميّ بالتّنسيق مع تركيا، التي ترى فيها ردًا طبيعيًّا على دعم التحالف لميلشيات كرديّة متطرّفة انفصاليّة، وعلى روسيا وإيران الداعمتين أيضًا للميلشيات الإيرانية الإرهابيّة، فازدواجية معايير اللاعبين في سوريّة تبقى وجهًا لتبرير دعم كل هذه التشكيلات.
(جيمس جيفري) الذي صرّح وذكّر أخيرًا بأن pkk فرع حزب العمّال الدّاعم والمورّد البشري والأبويّ لـ(قسد) أنّه إرهابيّ ومتطرّف وعليه الخروج من سوريّة، معترفًا بخطأ التّنسيق معه بالشّكل الذي يتعارض مع أمن دولة حليفة كتركيا، سيكون مؤشّرًا وضربّة قاسية لفروع الكرديّة التابعة له تنهي آمال وأحلام (قسد) أداة التّحالف، بل يجب ربط هذه التّصريحات بما تسرّب عن زيارة (أحمد العودة) حليف روسيا في الجنوب السّوري للأردن والتّنسيق معها بشأن إنهاء التّموضع العسكري والبشري للميليشيات الإيرانية .
ضرب هذه الأدوات شرقًا وجنوبًا، يدعو تركيا لممارسة ضغط أكبر على هيئة تحرير الشّام، ما ينذر بشبه انفراجة نحو الأمام، والبدء بتغييرات ميدانية وصولاً لتغييرات سياسيّة وفق قرارات مجلس الأمن تعيد بلورة نظام سياسي يحتوي كافة المكونات الأصلية ويقصي البرامج الدخيلة على شكل البلد مستقبلاً كما ينظر إليها دوليًا.
يسعى كافة اللاعبين الدّوليين في الملف السّوري للحفاظ على قوى فعّالة ومؤثرّة تحقق من خلالها رسائل سياسيّة أحيانًا وعسكريّة أحيانًا أخرى، ولا يبدو أنها مستعدّة لإنهائها أو ممارسة الضّغط عليها حتى تحقيق تغيير صادق من باقي الّلاعبين، فهل تقبل الدّول بشكل الحدود الحاليّة قبل إنهاء هذه المجموعات و البرامج؟ لا يبدو أنّ تركيا مستعدّة لذلك وما زالت حدودها الجنوبيّة غير مؤمنّة، ولن تقبل بأيّ إجراء حتى تحقق أمنًا قوميًّا لها يشمل كامل الشريط الجنوبي بما فيه عين العرب وصولاً للحسكة، إذ تعتقد أنقرة أن مسيرة الاستقرار بطيئة جدًّا، لتعدّد أهداف اللاعبين.
فهل ستكون تصريحات جيفري هي نهاية النفق لها إيذاناً بزوالها أو تحويرها بما يتكيف مع مصلحة الجوار السّوري (تركيا – إسرائيل-الأردن) بشكل رئيس!
وهل سيؤثر تغيير حاكم البيت الأبيض على سياسة أميركا التي يعلنها جيفري كل مدة، التي أبلغ (أنس العبدة) رئيس الائتلاف السّوري المعارض بأنها لن تتأثر!
من الواضح أن مسألة التّغيير نحو مسار الشّكل النهائي المنشود يتطلب تغيرًا شاملاً، ولا يبدو أن حسن النّية يجدي في اللعبة السّورية، فهل بدأت أمريكا المسار بشكل حقيقي صادق يتبعه البقيّة؟ هذا ما ستكشفه الأيّام المقبلة بكلّ تأكيد.