بدأ النظام في استخدام سلاح التهجير الخطير عام 2014 عندما عجز عن ثني إدارة الشعب مستخدما كافة أنواع الأسلحة، حيث أُبرمت أول اتفاقية لخروج أهالي مدينة حمص، ومن ثم توالت عمليات التهجير بعدها في القصير وقدسيا والوعر والغوطة الغربية والزبداني ومضايا ويلدا وببيلا والأحياء الشرقية من مدينة حلب ومؤخرًا أهالي حي القدم، ويسعى لتهجير سكان الغوطة الشرقية.
وعلى عكس توقعات النظام فإن تهجير السكان ولّدَ لديهم رغبة كبيرة في الكفاح وإكمال طريق الثورة وعدم الاستسلام للواقع المر.
“إيمان محمد” كاتبة سورية تمكنت من نقل مكتبتها من حي الوعر في حمص إلى مدينة الباب شرق حلب، وتعمل حاليًا مديرة تخطيط مؤسسة “قيم” هي أحد الأمثلة عن أولئك الذين لم يستسلموا لظروف التهجير الصعبة وقرروا التمسك بأحلامهم حتى آخر يوم في حياتهم، تأسست مؤسسة “قيم” الثقافية بالوعر في حمص عام 2013 وكان هدفها نشر الثقافة والوصول إلى وعي أكبر في المجتمع، إضافة إلى الارتقاء عبر تقديم نوعي وتدريب لمختلف الشرائح خاصة الكوادر العاملة والطلاب لتلبية احتياجات الواقع وسد ثغراته العلمية والمعرفية.
تقول إيمان: “الكتب كانت ضمن مكتبة عامة لمؤسسة “قيم” ثم قررنا حملها معنا وهي عبارة عن 400 كتاب تقاسم حملها أعضاء المؤسسة، وحاليًا وصل عددها إلى 700 كتاب تبرع بالبقية أشخاص مميزين من كافة أنحاء العالم، وتم إدخالها لمعرفتنا بأن المناطق بحاجة إلى الكتب كأهم أداة لنشر الثقافة والوعي.”
وأضافت: “ارتباطنا بالكتب ناشئ من شعور قوي داخلنا بعدم إمكانية متابعة الحياة دون قراءة، وعدم القدرة على بناء أي مجتمع من دونها.” مؤكدة أن الكتاب يحمل صوت الإنسانية وينقلها بكل قوة للناس، ففيه خلاصة الوعي والفهم والمعرفة، وقادر على تقديم تجارب وإجابات، ومساعد على طرح أسئلة لاستخلاص وسائل تساعد على العمل بشكل صحيح، حيث يستطيع الكتاب أن يخدم الواقع عندما تتحول الأفكار إلى وعي منتشر في المجتمع.”
وكتبت إيمان للثورة خمسة مؤلفات هي:
(لا تخف)، كتاب يحكي رحلة الصراع مع الخوف خلال الثورة، و(ثأر الياسمين) عبارة عن خواطر من قلب الثورة، و(العدية) رواية عن مدينة حمص عاصمة الثورة، و(ذاكرة حمصية في زمن السلمية)، ورواية (شيء من الجنون عن التمسك بالأرض والفكرة).
وأضافت إيمان: “أنها تطمح لتأسيس مراكز تهتم بإبداع الطفل وبناء شخصيته ومكتبات عامة متاحة للريف والمدينة وفرص تعليم أفضل للجامعيين.”
وأدى موضوع التهجير بشكل كبير إلى تفكك مجتمعي أسري، وهو كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وسرق أحلاما كبيرة ببناء الأرض في ظل الحرية والكرامة، وكان من نتائجه الفقر والبطالة والجهل في غياب المشاريع التشغيلية.
والحلول متاحة في حال اتجهت الجهود لتأمين فرص عمل ومشاريع تنمية وبناء على صعيد الأفراد والمجتمعات، فموضوع المخيمات وما تحمله من إذلال للإنسان النازح من قِبل صاحب الأرض وإشعاره أنه لاجئ في أرضه كلها أمور تحتاج إلى خطط معالجة وتغيير جذري.
ختمت إيمان بقولها: “إنني مؤمنة بالإنسان وقدرته على التغير طالما امتلك الوعي والإرادة والإيمان بذلك، فسنوات الثورة علمتنا أن لا شيء مستحيل، وأنه بإمكان إنسان واحد أن يصنع فرقاً في مجتمعه، وبإمكان عدة أفراد إن اتحدوا على هدف واحد أن يغيروا الواقع.
فالمهم هو أن تكون الخطوات إلى الحلم واقعية ومُنظمة وممكنة، ولكن الأهم من ذلك أن نعتبر المشكلات بمثابة فرص للمحاولة، وأنَّ الصعوبات تحديات، ومن حق أي إنسان أن يحلم وألا يتخلى أبداً عن حلمه مهما واجه من عوائق.”
قصة نجاح إيمان هي إحدى قصص النجاحات السورية الكثيرة التي تثبت للعالم أجمع أن الإنسان السوري قادر على الإبداع تحت أي ظرف حتى لو كان في الحرب.