فاطمة حاج موسى |
الكاتب السوري “ياسين الحاج صالح” ناقد ومفكر يساري، ولد في مدينة الرقة عام ١٩٦١م، من أبرز الكتاب العرب الذين تناولوا قضايا الديمقراطية والعلمانية، اعتقل عام ١٩٨٠م من قبل النظام السوري وعانى من وحشيته بسبب انتمائه لتنظيم شيوعي معارض، وقد تم سجنه لمدة ستة عشر عاماً كاملة، أمضى سنة من هذه السنوات في حجرات التعذيب المشهورة بسمعتها السيئة داخل سجن تدمر، وبعد خروجه من السجن تابع دراسته للطب البشري دون أن يمتهنه.
ومع بداية الثورة السورية كان “الحاج صالح” في طليعة مقاتليها، يحمل قلمه سلاحًا لتحقيق الديمقراطية والحرية مع زوجته المعارضة السياسية “سميرة خليل” الناشطة من مدينة حمص في مجال حقوق الإنسان التي اعتقلت لمدة أربع أعوام من ١٩٨٧-١٩٩١م، و عايشت الحصار في دوما وخُطفت منها مع الناشطين (رزان زيتونة-وائل حمادة- ناظم حمادي) في عام ٢٠١٣م من جهة مجهولة يُعتقد أنها جيش الإسلام، ومنذ ذلك الحين مفقودة ولا أنباء عنها.
انتقل الكاتب برفقة زوجته سميرة من مدينة لأخرى ومن مخبأ إلى آخر ليصبح بسبب ذلك مؤرخاً لا غنى عنه في الثورة؛ لأن سجلاته التاريخية تُعد تفكيكًا لروايات الحرب التي ينشرها النظام السوري واتباعه في دمشق.
تنتشر تحليلاته وكتاباته في صحف مختلفة مثل: صحيفة الحياة وموقع الجمهورية، وله مجموعة كتب أبرزها (الثورة المستحيلة، بالخلاص يا شباب الذي سجل فيه تجربته في السجن، أساطير الآخرين، نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده، سورية، من الظل: نظرات داخل الصندوق الأسود، والثقافة كسياسة.) وكَتب سلسلة من الرسائل التي وجهها لزوجته سميرة المجهولة المصير، فقام بعد اختفائها بتحرير وتنقيح كتاب لها بعنوان: (سميرة الخليل يوميات الحصار في دوما) عام ٢٠١٣م .
ويُعد الكاتب “ياسين الحاج صالح” من أبرز الأصوات المعارضة في سورية، رغم أنه مثقف يساري إلا أنه من أشد المدافعين عن الإسلاميين وعن حقهم بممارسة العمل السياسي وإعطائهم حقوقهم التي سلبهم إياها النظام، وبالنسبة إلى الكثير من السوريين يعد صالح ” ضمير الثورة السورية”
وكونه مفكر يساري، وجه انتقادات حادة للكثير من رفاقه في الغرب بسبب وقوفهم دون حشمة أو خجل إلى جانب نظام الأسد؛ وكذلك وجه انتقاداته إلى الأطراف التي اختطفت الثورة السورية، خاصة الجماعات الجهادية التي اتخذ إرهابها العدمي أبعاداً مُدمرة، خصوصاً مع وجود أفضل الظروف في سورية لاستمرار ونمو هذا التطرف.
توارى “الحاج صالح” عن أنظار السلطات في دمشق منذ اندلاع الاحتجاجات في سورية، ثم اضطر للانتقال إلى غوطة دمشق ليعيش تجربة جديدة داخل مناطق خارجة عن سيطرة النظام برفقة كتائب الثوار. وبعد رحلة طويلة استغرقت عدة أيام وصل الحاج صالح إلى مسقط رأسه مدينة الرقة ليجد اثنين من أخوته معتقلين لدى داعش، فأُجبر مجدداً للتواري عن الانظار مثلما كان في الغوطة.
حاز الحاج صالح على جائزة “الأمير كلاوس الهولندية” إلى جانب مفكرين وكتاب ومخرجين حول العالم، وذلك لإسهاماتهم في مجالات الثقافة والتنمية في بلادهم، فوضح ما تعنيه الجائزة بالنسبة إليه: “أظن أنها تكريم للشعب السوري والثورة السورية، وبهذه الصفة هي جائزة عظيمة”. وأضاف: “الشيء المؤثر أن أحداً ما في العالم يكرمك، وأن النظام الذي يحكم البلد يعتبر تكريم وكرامة محكوميه إهانة له، يسعدني أن في الجائزة ما يُهين النظام القاتل”.
ساهم في تأسيس مجموعة الجمهورية لدراسات الثورة السورية، وهي مجموعة تطوّعية لا حزبية أسسها كتّاب وباحثون سوريّون منضوون في الثورة السورية بهدف تقديم إنتاج فكري يساهم في بناء سورية ودعم ثورة الكرامة”.
بالنهاية لم يجد “ياسين الحاج صالح” خياراً سوى الخيار الأصعب وهو الخروج من سورية، الخيار الذي طالما حاول الهروب منه، وكتب كلمات مؤثرة في وداع سورية: “بذلت ما أستطيع من جهد طوال عامين ونصف للبقاء في البلد. كان هذا مهماً لي ككاتب يريد أن يعيش الأوضاع التي يكتب عنها، ومهماً لي كمثقف يريد أن يعيش بين الناس ومثل الناس الذين هو منهم، محاولاً فهم أحوالهم. أريد أن أرى سورية وهي تتغير، بعد أن قضيت نصف قرن من عمري وهي لا تتغير”. بقدر ما أفرح خبر خروج ياسين ووجوده في مكان آمن خارج سورية كان لوقع الخبر على نفوس أصدقائه ومحبيه أثر الصدمة.