غسان الجمعة |
بين إيجاب ديمستورا وقبول المعارضة والنظام بتقديم اللوائح الاسمية لأعضاء اللجنة الدستورية، أطلت روسيا برفضها على إطلاق عمل اللجنة وطالبت بأن يكون الثلث الثالث من 150 اسماً من نصيبها لتضمن مصالحها إلى جانب الأسد باعتباره الثلث المرجح والمعطل.
الموقف الروسي المستند إلى بلطجته في الميدان قابله ردٌّ أمريكي عبر مبعوثها إلى سورية (جيمس جيفري) وهددت بإلغاء مسار أستانة في حال عدم تشكيل اللجنة قبل إحاطة ديمستورا لمجلس الأمن حول سورية في 14 من الشهر الجاري.
إن العودة إلى المربع الأول المتمثل بمسار جنيف لا ترغب به الأطراف الضامنة، فمن جهة المصالح الروسية، نرى أن روسيا التي دأبت على هندسة مسار أستانة لن تفوت فرصة استمراره بعد أن سبغته الاتفاقات الإقليمية بنوع من الشرعية، وحصلت فيه على تنازلات ثمينة من جهة المعارضة، كما أن ساحة جنيف ستعيد فتح باب الحكومة الانتقالية ومصير الأسد الذي أصبح طي النسيان.
ومن جهة الإيرانيين فالأمر ليس أقل سوءًا، فقد لا تجد طهران لنفسها موطئ قدم في جنيف بعد مطالبات غربية بضرورة رحيلها عن الأراضي السورية مع ميليشياتها اللبنانية، وهو ما سيزيد عزلتها ويقوض مساعيها في مواجهة الولايات المتحدة على الصعيد الإقليمي والدولي.
كما أن الضامن التركي من جهة المعارضة وصف تصريحات المبعوث الأمريكي بأنها وُلدت ميتة، وذلك لما تحمله العودة إلى جنيف من مخاطر لسياسة تركيا في الملف السوري، وذلك من خلال دعم الدول الغربية للميليشيات الانفصالة باعتبارها أحد مكونات الحل السياسي في سورية.
إن التهديد أمريكا بإلغاء المسار تبعه تلويح من قِبلها باستنساخ النموذج العراقي كحل قد تفرضه الولايات المتحدة على الساحة السورية، وهو ما يعني فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على الأسد وداعميه وإمكانية إقامة منطقة لحظر الطيران شرق الفرات مماثلة لتلك التي فرضتها إبَّان حكم صدام حسين على كردستان العراق، بالإضافة إلى رفضها المشاركة في إعادة الإعمار وملف عودة اللاجئين.
الاستجابة السريعة للدبلوماسية الروسية على تهديدات واشنطن بليونة تصريحات (لافرتييت) المبعوث الروسي لسورية عن قرب تشكيل اللجنة بعد عدة أيام من فشل أستانة11 تأتي من باب أخف الضررين للمصالح الروسية، وهو ما ينبئ بقبولها بتشكيل الثلث الثالث مناصفة بين المعارضة والنظام أو بينها وبين الضامن التركي.
الولايات المتحدة في كل الأحوال تسعى لإنهاء المماطلة الروسية لتحقيق قفزة بإستراتيجيتها في سورية لفتح باب المساومات والمحاصصة التي ستفرزها طبيعة آليات عمل اللجنة وقراراتها لأنها تسيطر على ثلث الأراضي السورية شرق الفرات، ومن غير الواقعي أن ينتج حل سياسي دون أخذ مصالحها بعين الاعتبار وهي اللحظة التي لا تريد موسكو الوصول لها، ومن أجلها تطالب واشنطن بضرورة انسحابها من سورية.
اللهثان الدبلوماسي من كل الأطراف لإطلاق عمل هذه اللجنة لا ينبع من حرصهم على مصالح السوريين، إنما تكمن رغبة هذه الدول باستبدال دستور ديكتاتوري بآخر صوري يضمن في طياته مصالحهم من الأرض السورية على غرار دساتير العراق ولبنان. فهل نستطيع نحن السوريين أن نلبي حاجاتنا و قيمنا بدستور حقيقي، أم أننا سنكتب ما يملى علينا بخط يدنا؟