الدستور كلمة فارسية دخلت اللغة العربية وتعني الأساس أو القاعدة، بينما هي في اللغة “القاعدة يعمل بمقتضاها” والدستور في الاصطلاح المعاصر هو “القانون الأعلى” أي مجموعة القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها ومدى سلطتها إزاء الأفراد وحقوق المواطنين في الدولة.
اليوم يدور الحديث عن تشكيل لجنة دستورية سورية تمثل فيها الأطراف بنسب الثلث (معارضة، نظام، مستقلين) وهي ثمرة جدباء لتضحيات ملايين السوريين بين شهيد ومهجر ومعتقل لمجرد أنه أراد تغيير نظام حكمه السياسي الذي من المفترض أنه مصدر السلطة في نظام عقده الاجتماعي (كحاكم ومحكوم).
في أكتوبر من العام 2012 أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد قرارًا بتشكيل لجنة وطنية لوضع دستور جديد تمخض عنها مسودة تم طرحها للاستفتاء العام حصلت فيه على نسبة موافقة 89،4% في وقت كانت تشهد فيه البلاد ثورة شعبية على منظومة الحكم التي حاولت إحداث تغيرات موائمة للظرف السياسي آنذاك لدستور الأسد الأب الذي باتت شموليته منقوصة في عهد الأسد الابن.
التعديلات التي طرأت على دستور 2012 كانت تصب في مصلحة النظام السوري وتوسِّع من صلاحياته وأبهمت فقرات تتعلق بعدد فترات الولاية ومبدأ اللامركزية التي أحالت تنظيمه إلى قانون خاص!
الرئيس السوري الآن يسيطر على ثالوث السلطة، فهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة ورئيس المجلس القضائي الأعلى والمشرع إلى جانب مجلس الشعب(الصوري).
أمام هذا الواقع الدستوري الذي يشوبه أهم قاعدة وهي مبدأ الفصل بين السلطات ستواجه اللجنة أكبر قيود الحياة السياسية والقانونية التي يعتبر فيها الأسد مفتاح السلطات الثلاث (التشريعية – القضائية – التنفيذية) وفق منظوره الديمقراطي المتمثل بالحزب القائد والرئيس الخالد الذي يمتلك مقاليدها كمحرك وليس كلاعب كما هو مفترض.
كما أن أمام اللجنة تحدي تطبيق الدستور الذي يفترض لإحيائه وجود بيئة مواتية على الأرض “مناخ ديمقراطي” وهذا الأمر بعيد كل البعد عن الواقع السوري في ظل وجود الأسد بقبضته الأمنية بغض النظر عمَّن يطبق وما يملك من صلاحيات (في حال تشكيل حكومة بصلاحيات قانونية) فالولاء المطلق وليس العقيدة الوطنية هو ما بنى عليه النظام السوري منظومته المسلحة “الوطنية” و عندها ستبقى القواعد التنظيرية الدستورية مجرد حبر على ورق بسبب افتقارها للأدوات الحقيقية في التطبيق العملي للحقوق والواجبات وتفعيل المواطنة بأبعادها المختلفة التي حوَّلها الأسد إلى مواطنة مطيعة خاضعة أكثر ما تعلمه عن السياسة هو أن الصندوق الانتخابي يملكه الأسد فقط وما يؤديه اتجاهه هو واجب وليس حق.
اللجنة المزمع تشكيلها تحمل طابعًا دوليًّا ستحاول فيها روسيا وإيران تركيز ثقلهما السياسي واستخدام استثمارهما العسكري في الملف السوري ليكون ملائمًا لمصالحهما بالدرجة الأولى ومحافظًا على بقاء الأسد بسلطته الفعلية بالدرجة الثانية وإن كان كلا الأمرين هو تحصيل حاصل بدرجة فائدة متفاوتة بين الروس والإيرانيين.
وربما تتكفل الدولتان بأن يلعب الثلث الممثل للأسد دور المعطل في هذه اللجنة ليمارس الجهالة الدستورية على أي مبادئ تحمل في طياتها تغييرًا جوهريًّا يمس سلطة الأسد الفعلية قد تقترحها المعارضة وشريحة المستقلين تحت ذريعة الإرادة الوطنية السورية.
ما أريد التأكيد عليه أنه مهما كانت صيغة الدستور مستقبلاً متقنة وواضحة فلا جدوى منها إذا لم تطبق أحكامه، وعلة هذا التغيير الذي من المفترض أن ينقل الحاكم إلى ساحة مطالب المحكومين المتمثلة بتنحي الأسد ومحاسبته.