تواصل الليرة السورية الانخفاض الشديد أمام بقية العملات، مسجلة أرقاما قياسية، فقد تخطى سعر صرف الدولار الواحد حاجز الخمسمئة ليرة سورية منذ فترة، ويأتي هذا الانهيار بالتزامن مع إعلان البنك الدولي بأنَّ الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة انخفض في سورية من 20 مليار دولار قبل الثورة إلى حوالي 700 مليون دولار حاليا.
إنَّ توقف الموارد الاقتصادية للدولة بسبب الحرب له أثر كبير على احتياط النقد، فأهم القطاعات التي كانت ترفد البلاد بالقطع الأجنبي متوقفة منذ خمس سنوات وهي: السياحة وتصدير النفط والنقل بالعبور (ترانزيت)، بالإضافة إلى إهدار الاحتياطي النقدي على صفقات الأسلحة ورواتب الميلشيات الأجنبية وهدايا ورشاوي لمؤسسات إعلامية عربية وغربية وأشخاص؛ لتجميل صورة النظام وتشويه الثورة أمام الرأي العام العالمي والعربي.
يحاول النظام بين الوقت والآخر إيهام الشعب بأنَّه قادر على تعزيز قوة الليرة وتحسين سعر صرفها، وبأنَّ الأسعار الحالية مجرد فقاعات سعرية على حدِّ قوله، ويلجأ في سبيل ذلك إلى عقد جلسات تدخل للبنك المركزي يقوم من خلالها بضخ عدة ملايين من الدولارات بأسعار أقل من أسعار السوق السوداء، وبمجرد انتهاء جلسات التدخل يعاود الدولار الارتفاع، هذه الجلسات وإن كان الهدف المزعوم منها دعم سعر الصرف، ولكن الهدف الحقيقي لها هو دعم رجال الأعمال المقربين من النظام اللذين يقومون بالشراء بسعر تفضيلي، ثمَّ يبيعون بسعر السوق السوداء، ولوكان البنك المركزي صادقا في تدخله لكان عليه أن يجد طرقاً أخرى لدعم سعر الصرف، بعدما أثبتت هذه الطريقة فشلها .
فالمواطن صاحب الدخل المحدود لم يعد يجد قوت يومه، فهو لا يملك المال لشراء العملات الصعبة، والمواطن السوري سواء كان مؤيداً أو معارضاً هو المتضرر الوحيد من انهيار قيمة الليرة لا بالعكس، فمناطق سيطرة النظام تتأثر بشكل أكبر من المناطق المحررة من ارتفاع الدولار بما أنَّ الرواتب والأجور في تلك المناطق تحدد بالليرة السورية فقط .
والسؤال هنا: بما أنَّ المواطن هو المتضرر فمن المستفيد؟ الجواب بسيط، النظام هو المستفيد الوحيد من انهيار العملة،
فالدولة جميع مداخيلها واحتياطاتها النقدية بالعملة الأجنبية، ومصاريفها المحلية بالليرة السورية، فإذا افترضنا أنَّ رواتب جميع الموظفين في الدولة 50 مليار ليرة سورية، أي ما يعادل 1مليار دولار قبل خمسة أعوام، فإنَّها اليوم تعادل 100مليون فقط .
قد يظنُّ البعض أنَّ النظام يعتمد على احتياطي البنك المركزي فقط لتأمين مستورداته ونفقاته، وأنَّه ليس لديه موارد أخرى، بينما هناك ثلاثة موارد رئيسية يعتمد عليها النظام لتأمين الأموال وهي :
- هبات الدول الداعمة للنظام وعلى رأسها إيران، وتأتي هذه الهبات على شكل مشتقات نفطية وأسلحة، والقليل من الأموال النقدية.
- حوالات السوريين المقيمين خارج البلاد، وتقدر قيمتها من 4 إلى 7 مليون دولار يومياً، والتي تأتي عملات أجنبية وتسلم بالليرة السورية وبسعر صرف يحدده البنك المركزي، وهنا يجب الإشارة إلى نقطة مهمة، فالبنك المركزي عندما يجد بأنَّ سعر صرف الدولار سيعاود الهبوط في السوق السوداء، وأنَّ العرض قد زاد والطلب قد قلَّ، يقوم هنا البنك المركزي برفع سعر الحوالات فيؤدي ذلك إلى رفع سعر الصرف بشكل مباشر، وهذا الأمر قد حصل بشكل متكرر ممَّا يدل على أنَّ النظام يسعى إلى إبقاء سعر الصرف عند مستويات مرتفعة خدمة لمصالحه.
- عن طريق شراء العملات من المناطق المحررة، فقد عمد النظام في السنوات الأخيرة على طبع فئات من العملة من دون رصيد نقدي موازٍ، بمعنى آخر لا تكلفه سوى الورق الذي تطبع عليه، ومن خلال هذه العملة يقوم بشراء الدولار من المناطق المحررة، بالإضافة إلى مصادر أخرى غير شرعية كبيع الآثار وتجارة المخدرات.
إنَّ التعويل على إسقاط النظام اقتصاديا غير مُجدٍ فقد أثبت خلال خمس سنوات أنَّه مستعد للتخلي عن كل شيء إلا السلطة، ولذلك يجب فكُّ الارتباط اقتصاديا مع هذا النظام، وذلك عن طريق التعامل بعملة أخرى كالليرة التركية في المناطق المحررة، سيكون هناك صعوبات في بداية هذا الأمر، ولكنَّها عملية لابدَّ منها للحفاظ على مكتسبات المواطنين التي تذهب بطريقة أو بأخرى إلى أيدي النظام ومن ثمَّ تعاد إلينا على شكل قذائف وبراميل، إنَّ هذا الإجراء سيكون مؤقتاً إلى حين عودة الاستقرار إلى البلاد.
لقد أثبت الشعب السوري أنَّه شعب يتمتع بكفاءة اقتصادية عالية من خلال المشاريع والمنشآت التي أقامها السوريون في البلاد التي نزحوا إليها، وهم قادرون وبكل تأكيد على إعادة بناء سورية بشكل أفضل ممَّا كانت عليه وعلى أسس علمية وحضارية عالية عندما تضع الحرب أوزارها
باسل عبود