أنس إبراهيم
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الإنسانية وصلت إلى أدنى مستوياتها في ظلِّ تلك المنظومة من الميلشيات الدولية في مساندتها لأكثر الأنظمة دموية في العصر الحديث، فإذا كان الإنسان السوري جسداً وروحاً قد دفع فاتورة ثورته الكاشفة الفاضحة التي بلغ عدد القتلى والجرحى فيها منذ 18 آذار/ مارس عام 2011 وحتى أوائل فبراير الحالي نحو مليوني قتيل وجريح، بسحب ما أفادت آخر إحصائية صادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يوثق هذه الحالات، فإنَّ نسبة الأشخاص الذين أجبروا على النزوح لدول الجوار بسبب الأوضاع الراهنة للمحافظة على حياتهم أو النزوح إلى مناطق آمنة أكثر من مناطقهم داخل سوريا بلغت حدّاً غير متوقع، إذ إنَّ عدد اللاجئين خارج سوريا (3,854,440)، وعدد النازحين داخل سوريا (8,180,000).
إنَّ خطورة تفاقم هذه الأرقام وتزايدها من النازحين تتشكل في ابتعاد جيل ناشئ عن التعليم وصعوبة تلقيه نتيجة عدم الأمان وفقدان الاستقرار، ممَّا يؤدي إلى انهيار النظام التعليمي للمراحل الدراسية الأولى التي تشكل نواة المرحلة الجامعية.
وخلال فترة كلِّ تلك السنوات من الحرب القذرة محلياً ودولياً على الثورة السورية عجزت كلُّ المنظمات الدولية والهيئات العالمية على احتواء تلك المخاطر الناجمة عن تدهور القطاع التعليمي إزاء موجات النزوح المتكررة في استراتيجية عامة جامعة تعدُّ مرجعية للنظام التعليمي القائم داخل سوريا أو في مخيمات النازحين بشكل عشوائي إلى حدٍّ ما دون سياسية توجيهية تنظمه.
إلا أنَّه مؤخراً -وفي شهر فبراير الحالي- تمَّ عقد المؤتمر الدولي لتعليم السوريين (ما دون الجامعي) في يومَي 18 -19/ شباط (فبراير) / 2017م الفائت، والذي أقيم برعايةٍ كريمةٍ من وزارة التربية والتعليم التركية، حيث إنَّه أتيح للعاملين والمهتمين بالعملية التعليمية للطلاب السوريين.
يذكر أنَّ المؤتمر الدولي لتعليم السوريين هو لقاء دولي يجمع المشتغلين بالعملية التعليمية للسوريين في الداخل وفي دول الجوار مع الجهات الداعمة العاملة في الملف السوري والمهتمة بالتعليم من جهات حكومية ومنظمات دولية ومحلية؛ لضمان استمرار العملية التعليمية وتطوير سبل دعمها وتطويرها.
وقد خرج المؤتمرُ الدولي لتعليم السوريين الذي اختُتمَ في مدينةِ اسطنبول بإقرارِ عدةِ توصياتٍ لدعمِ العمليةِ التعليمية، بينها إنشاءُ مراكزَ للتعليم في الداخلِ السوري وتأسيسُ نظامِ أرشفةٍ الكتروني مركزي، وتأمينُ بدائلَ للتعليمِ التقليدي، والعملُ على إيجادِ مرجعيةٍ واحدة لوضع ِالسياسات.
حيث تضمن المؤتمر سبع ورش عمل، كان من أهم ما شملتها تلك الورش المناهج المعتمدة في العملية التعليمية، والمشكلات التي تتعرض لها العملية التعليمية، وطرح الحلول البديلة على أرض الواقع، والسياسات والتشريعات الناظمة للعملية التعليمية، حيث إنَّ الأخيرة من أكثر العوائق التي أبطأت سير العملية التعليمية في الداخل السوري بشكل خاص إثر تحكم المنظمات الداعمة في سير العملية التعليمية، وفرض سياستها الخاصة حتى في تفاصيل عجلتها اليومية حسب توجه داعمها.
إنَّ الجهود التي بذلت طيلة سنوات الحرب وفي خضمها وأشدها قسوة لا تساوم بثمن، غير أنَّها كانت جهوداً مبعثرة على نفاستها في أحلك الأوقات شدةً وأقل الشعوب تماسكاً في مثل هذه الحالات، إضافة إلى وقوعها فريسة لأصحاب الأيديولوجيات الفكرية لتطبيق سلطتها عليها من خلال استغلال الحاجة إلى الدعم المالي واللوجستي دون وجود منظمات عالمية ترعى قطاع التعليم ضمن سياسة واستراتيجية شاملة تضمن منهجيته واستمراره بكفاءة عالية.
ومع انعقاد المؤتمر الدولي لتعليم السوريين يبقى أمل السوريين متعلقاً بنتائجه المنعكسة على مستقبل أبنائهم، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: هل سيعمل هذا المؤتمر على توفير التعليم لجميع الأطفال اللاجئين ضمن معطيات الواقع بشكل فوري وعملي؟ وهل سيرفع من سوية التعليم تنظيمياً ومنهجياً داخل الأراضي السورية؟ وهل سيمارس تشكليه ضغوط دولية لوقف العراقيل والانتهاكات، واحترام القانون الإنساني لتوفير رعاية صحية أكثر أماناً، وتعليم أكثر أماناً خاصة في دول الجوار كلبنان الأكثر انتهاكاً لحقوق اللاجئين؟
إنّ جعل سورية أكثر استقرار في المرحلة الآتية مهم لاستدراك كل الانحرافات الفكرية الدخيلة على قيم مجتمعنا المسلم، ولا يتم ذلك إلا باتفاق المجتمع الدولي وتعاونه في المساهمة لتحقيق ذلك.