سلوى عبد الرحمن |
تراجعت الزراعة خلال سنوات الحرب بشكل كبير في المدن والبلدات السورية تزامنًا مع ارتفاع وتيرة القصف والعنف خاصة في الأراضي التي تتركز فيها الزراعات الرئيسة، كالقمح والشعير والقطن، في أرياف حلب وإدلب ودرعا والحسكة ودير الزور، ما أدى إلى تقلص المساحات المزروعة بسبب خطورة موقعها وتوجه بعض المزارعين لتشجير أراضيهم جراء الصعوبات التي يواجهونها خلال المواسم الزراعية، فضلاً عن خروج مساحات زراعية كبيرة من الاستثمار بعد وقوعها على خطوط التماس العسكرية، بالإضافة إلى غياب عامل الأمان الذي يعدُّ ضرورياً لتشجيع الفلاح على زراعة المحاصيل المروية.
المهندس الزراعي “حذيفة الخطيب” في ريف إدلب الجنوبي قال في حديث لصحيفة حبر: “صعوبة تأمين البذار من أبرز المشاكل التي تواجه مزارعي المحاصيل، فحتى الآن لا يوجد أي جهة تؤمن البذار لهم، وغالبًا ما يشترونها من تجار وشركات خاصة وبأسعار مرتفعة بغض النظر عن بعض المنظمات التي تساعد بجزء بسيط من زراعة القمح كمؤسسة الإكثار ومنظمة شفق وغيرها.”
القمح والشعير والحمص والكمون والعدس من أهم المحاصيل الزراعية في الشمال السوري، والأمر يختلف من منطقة لأخرى، أما أنواع الأشجار التي يتوجه المزارعون لزراعتها فهي أشجار الزيتون والتين والفستق الحلبي واللوز.
الجدير ذكره أن معظم هذه الأشجار المثمرة تستغرق أكثر من 4 أعوام حتى تبدأ بالإنتاج، لذلك يلجأ بعض المزارعين لزراعة كروم العنب بينها ريثما تبدأ بالإنتاج.
“محمد” أحد مالكي الأراضي الزراعية من (كفر سجنة) ريف إدلب الجنوبي يؤكد أن “الإقبال على تشجير الأراضي الزراعية يتزايد في الفترة الأخيرة تزامنًا مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة تأمين البذار والأسمدة اللازمة والمحروقات للري، وفوق كل ذلك تنخفض أسعار المحاصيل وقت الإنتاج، إضافة إلى عدم وجود أسواق لتصريف المحاصيل”.
إن سوء التصريف وتحكم وجشع التجار والمعابر، إضافة إلى عدم دعم الزراعة وغياب الوحدات الإرشادية التي تقدم الخدمات الطوعية للمزارعين، جعل المزارعين يزرعون محاصيلهم بشكل عشوائي دون خطة زراعية محددة.
وأشار “الخطيب” إلى أن تقلص المساحات المزروعة يعود لأسباب عدة أهمها التهجير القسري والقصف والحرب، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الزراعة وتدني الإنتاج بسبب سوء البذار والتصريف وهجرة الكثير من الناس وترك حقولهم.”
من جهته يشتكي “محمد” من ارتفاع أسعار البذار في العام الماضي وانخفاضها خلال هذا العام قائلاً: “اشتريت كيلو بذار العدس بسعر 400 ل.س في العام الماضي، بينما هذا العام انخفض سعره حتى وصل إلى ـ 100 ل.س، لكن يكاد لا يصلح سوى علفًا للأغنام، وكذلك الحمص وباقي البذار التي تراجع كثير من المزارعين عن شرائها”.
من جهتها ذكرت منظمة الفاو في تقرير لها أن إنتاج الحبوب تراجع بنسبة 75% منذ 2002 وحتى العام الجاري انخفض الإنتاج من حوالي 4 مليون طن في عام 2011 إلى ما يقارب 450 ألف طن في 2018، مسجلاً بذلك أدنى مستوى إنتاجي منذ 29 عامًا، فماهي الإجراءات الوقائية للحد من تراجع الإنتاج في المواسم المقبلة؟!
يؤكد “الخطيب” أن العوامل التي تساعد في الحصول على موسم وفير هي تأمين الوقود اللازم للري والسماد الجيد والمكفول، بالإضافة إلى البذار الهجين المكفول وتفعيل واقع الإرشاد الزراعي الغائب حاليًا بشكل شبه كليّ وتأمين أسواق لتصريف المنتجات من المحاصيل.
أضرار جسيمة لحقت بالقطاع الزراعي خلال الحرب أدت إلى خسارة قطاع الزراعة 1.8 مليار دولار، إضافة إلى انقراض تسعة أصناف من القمح السوري المرغوب عالميًا، بحسب إحصاءات أممية، ومن المتوقع خسارة أصناف جديدة من الحبوب خلال الأعوام المقبلة.
من دولةٍ مكتفية ذاتيًا في المجال الزراعي تصدر ما يقارب مليون ونصف طن سنويًا من الحبوب، تحولت سورية إلى مستوردة فقيرة تعتمد على المساعدات الأممية. وبعض المزروعات الشحيحة التي تكاد لا تكفي الاحتياجات المحلية، فهل من مغيث؟!