سلوى عبد الرحمن |
حرب أخرى تخوضها المرأة السورية في المحاكم لم تكن سببًا في إشعال فتيلها، إلا أنها باتت الضحية الأولى والأكثر قهرًا بين نساء العرب خاصة الأرامل حسب منظمة الأمم المتحدة، بسبب سوء الوضع الأمني والاجتماعي في سورية، فتسعى جاهدة إما لتحصيل حق من حقوقها أو لمتابعة قضايا متعلقة بأحد من أفراد أسرتها أو أقاربها.
الحرية مقابل (دفع التعزير) بالدولار في محاكم إدلب
حضور المرأة في محاكم المدينة يأتي بغالبيته إثر احتجاز أولادهنَّ أو أزواجهنَّ نتيجة جرم ثبت أو يتم التحقيق فيه، أما القضايا الأخرى المتعلقة بها فيكون للرجال حضور فيها في بعض الأحيان.
تمسك أم عمر (اسم مستعار) يدي ابنها (3سنوات) محاولة تدفئته في غرفة الانتظار في وزارة العدل بمدينة إدلب، (أم عمر) ثلاثينية حامل في شهرها التاسع قالت إنها تأتي منذ أسبوعين بشكل يومي من شرق إدلب إلى الوزارة محاولة إنهاء ملف فك احتجاز زوجها وسيارته قبل ولادتها، حيث اعتقل بتهمة عدم تنمير سيارته، بعد أن أمنت مبلغًا قدره 1500 دولار من إخوته في الخارج، 500 دولار منها لقاء تنمير السيارة.
يصدر قرار دفع التعزير تزامنًا مع صدور الحكم، وكلٌّ يدفع مبلغًا معينًا حسب الجرم الذي ارتكبه المحكوم عليه بهدف الحد والتخفيف من الجرائم المتزايدة في المدينة مع إمكانية تقديم طلب استرحام، لتخفيض المبلغ، من المحتمل قبوله في حال وافق النائب العام عليه، أما بالنسبة إلى المحامين فلا سقف مال محدد للقضية طالما أنها مستمرة.
تقف أم أحمد (اسم مستعار) في وزارة العدل بإدلب وهي تضع يديها على رأسها باضطراب، تقول إن ابنها البالغ من العمر 18 عامًا قضى شهرًا إضافيًا بعد انتهاء مدة حكمه، لكنه لم يخرج لأنه يتوجب عليها دفع تعزير(غرامة) مالية بالدولار، وأضافت أن تهمته السرقة، فقد اتفق مع عدة شباب على سرقة ذهب امرأة من القرية وتمت إعادته لها، (أم أحمد) خمسينية وأم لشاب وفتاتين، وهي تعمل في إحدى العيادات النسائية مستخدَمة رغم كبر سنها، إلا أن الجوع والفقر والظلم الذي تعانيه مع زوجها أكبر من أن تبقى جالسة في المنزل.
في ظل الظروف الراهنة تزداد يومًا بعد يوم جرائم القتل والسرقة والخلافات الأسرية والمشاجرات.. إلخ لأسباب عديدة أبرزها الفقر وقلة الأمن وتفكك الأسر السورية، الأمر الذي يدفع كثير من السوريين للجوء إلى المحاكم.
مبالغ خيالية في المحاكم والأفرع الأمنية في حكومة النظام
قبل 3 سنوات اضطرت (صباح) امرأة ستينية من حماة لبيع كل أملاكها من ذهب وعقارات بقيمة ثمانية ملايين ليرة سورية سعيًا منها لمعرفة مصير ابنها في سجون النظام، إثر اعتقاله على أحد الحواجز المنتشرة في مدينة حماة دون معرفة التهمة الموجهة إليه، إلا أنها اكتشفت بعد رحلة طويلة في المحاكم ومكاتب المحامين والمسؤولين في النظام بأنها كانت ضحية للنصب والاحتيال حالها كحال أمهات كثيرات.
من جهتها تقول (لمياء) أربعينية من حلب: “بعد هجرة زوجي إلى ألمانيا وتركي معلقة عامين كاملين بانتظار لم الشمل، علمت بأنه تزوج بامرأة أخرى وهذا الأمر أغاظني ودفعني للطلاق، ونوهت بأن الرجال وحدهم يملكون قرار الطلاق في القوانين السورية، ولإثبات ضرورة الأمر دفعتُ كثيرًا من المال للمحامين وتنازلتُ عن مؤخري لأحصل على ذلك القرار.”
يمرُّ المجتمع السوري بمنعطفات خطرة بدأت آثارها تظهر بشكل واضح على أفراده عامة وعلى المرأة خاصة، فمعظم قضاياها المتعلقة في المحاكم كـ (الطلاق والميراث وحق الأمومة…) سببها الرجال، رغم أنهم الأكثر عددًا في المعتقلات لأسباب عدة أبرزها السياسية، لكن المرأة السورية هي الفئة الأكثر تضررًا نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا بانتظار حبل النجاة، في حين ما يزال عاملون في المحاكم ودور القضاء يعدونها مصدر دخْل جديد لهم.