في طريقي للعلم سمعتُ أحد محاضرات شيوخ الشام المعروف بالوسطيّة وعدم التعصب، وهو شيخ من حملة شهادة الطب يمدح إحدى الفتيات كقدوة نقتدي بها لأنّها ضحّت بشهادتها التي حازت بها المركز الاول في كلّية الطب.
جلستْ تفكر هنا هل هي مسؤولة عن علمها؟ وهل ستحاسَب عليه؟ لأنّها احتكرت علماً وقد جاء في الحديث الشريف: (من سُئلَ عن علمٍ فكتَمَه؛ جاء يومَ القيامةِ ملجَّمًا بلِجامٍ من نارٍ)
فهي منعتِ المسلماتِ من الاستفادة من علمها، وكم ينقصنا طبيبات لتطبِّب النساء بكل المجالات؟ وإنْ هي تخصصت بأيّ اختصاصٍ كان وأصبحتْ تطبِّب النساء في أجسادهنَّ بدلاً من أن تُكشف أمام رجلٍ غريب أليس في ذلك أجرٌ عظيمٌ.
أليس للفتاة المحاميّة -التي تستقبل المراجعاتِ النساء وتسمح لهنَّ أن يشكينَ لها همومهنَّ لتساعدهنَّ- أجرٌ وأنَّ المرأة ستكون أكثر قدرةً على التعبير وأقلَّ حرجاً مع أستاذةٍ محاميّة وخاصّة عندما تكون في قضايا زوجيّة ستضطر لتحدِّث في أمور حرجة يُفضّل أن تُحدَّث بها امرأةٌ وغيرها من القضايا التي ستكون المرأة أكثر جرأةً في الحديث معها.
أليستِ المرأة المعلِّمة أقدر على تعليم الاطفال والتناغم معهم؟ ومهما حاول الرجل لن يصلَ لبراعة المرأة مع الأطفال،
وغيرها و غيرها من المهن التي تبرَع فيها المرأة، فالعلم ليس محصوراً فقط بالأمور الشرعيّة والدينيّة، العلم الديني وحده لا يكفي بل نريد علماً في أمور الحياة.
في السويد هذا البلد المتحرّر نسأل فيه هل نفضِّل المتحدِّث معنا أم المسؤول عنا أن يكون من الرجال أو النساء إذا كان هذا يعطينا أكبر قدرٍ من الأريحيّة في التعامل ومنعاً من الحرج؟
هل المرأة العاملة مستباحة بنظر الملتزمين دينيّاً رغم نبل ما تقدِّمه ولِمَ؟
أقف أتأمل كلَّ هذا حائرةً ليراودني السؤال إلهي لماذا خلقت المرأة؟ ما هو الهدف من وجودي؟ لماذا أنا هنا؟ ما هو ترتيبي في الحياة؟ هل حقاً المرأة إنسان؟ هل لنا الحق في أن نكون بشراً ونطمح ونحلم أن نكون أن أتكلم وأعبر وأحلم أن أقدّم لديني شيئاً؟.
التفوق مباح لي بحدود فيجب أن تكوني قويّة لكن أضعف من الرجل، ذكية لكن أقلَّ ذكاءً من الرجل، حازمةً لكن أقلَّ حزماً من الرجل ولم ندّعي يوماً المنافسة مع الرجل ومزاحمته على شيء إلا في مراتب الجنة والثواب والأجر أمّا أمر التفوّق في مجالات الحياة أمرٌ ليس الهدف منه منافسة الرجل وما ذنب تلك الفتاة إن تميزت واعتلت في المراتب فتفوّقت على الجميع بغضّ النظر سواء أكانوا نساءً أم رجالاً!.
أجزم أنني سأعاني من انفصامٍ بالشخصيّة خاصة كوني ممن أدَّعي الالتزام وأسعى إليه بشدّة، فماذا يجب أن أكون؟ ضعيفة وقوية بذات الوقت أن أكون ذكية وغبية بذات الوقت أن أكون عاطفيّة وقاسيّة بذات الوقت أن أكون شرقية وغربية بذات الوقت أن أكون منفتحة ومنغلقة بذات الوقت!، وكل الوقت يكون هاجسي أن أخشى دوماً في عدم كوني امرأةً صالحةً حتى لا تلتهمني نيران الجحيم.
ما هو حقي في هذه الحياة؟ ما هي حدود طموحاتي وأحلامي؟ ماهي مسؤوليَّتي الأولى؟ عندما أحاسب عمَّ سيحاسبني الله أولاً؟
ليس لديَّ أجوبةٌ عن الأسئلة السابقة لكن لم يعلِّمنا الدين نحن معشرَ النساء أن نكون ضعيفاتٍ وقد قرأت ما لأمّهات المؤمنين والصحابيات الطاهرات من قوة شخصيّة وقوة مواقف جعلتهن نساءً بارزاتٍ هنَّ لم يخفين وكنَّ يُعلَمنَ بأسمائهنَّ ومناقبهن، لم يكنَّ حبيساتِ منازلهنَّ وفعلنَ ما فعلن من أثر، هنَّ لم يكن مكسورات وما قمن به سُطّر بشجاعتهن وإقدامهن، وكنّ سباقاتٍ للعطاء والخير وفي كلِّ مجالات العلم وأزواجهنّ كانوا من الصحابة الكرام ولم تُسِئ لهم قوة زوجاتهم علمهنّ وذكائهن، حنكتهن وحزمهن وفصاحتهن لم تُسِئ لأزواجهنّ يوماً، وكان العلم يُؤخذ منهن وأولهنّ السيدة عائشة التي نشرت ليس فقط علم الحديث فقد برعت في الطب كما رُوي في سيرتها.
لو كنّ على خطأ لصوّب الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك في ذلك الوقت وأذكر موقفه مع المرأة التي سألت رسول الله سؤالاً محرجاً فأخذتها السيدة عائشة لتعلّمها، من هذا الموقف نتعلم أن المجتمع بحاجة للمرأة وعلمها وخبرتها في عدة مواطن في الحياة لتساعد أختها المرأة على الأقل.
وستبقى معضلة المرأة وكينونتها أحد أكبر معضلات هذا الكون، وأسئلة كثيرة تدور في ذهني جوابها فقط عند الله عز وجل وأتوق شوقاً لمعرفة الإجابة.