بقلم : أ. ناديةلمَّا غابت الشِّرعةُ الرَّبانية عن واقع المجتمعات صار هناك نظرات سائدة بحق المرأة عبر الحقب التاريخية، وغدا كلُّ مجتمع يقرر أحكامًا بحقها وينتهك حقوقها الإنسانية، فعند اليونانيين كانت المرأة تسمى رجسًا من الشيطان، حيث إنَّ المجتمع اليوناني حمّلها خطيئة أمِّها حوّاء، أمّا المجتمع الروماني فهي لديهم أسيرة، وكان شعارهم يومئذٍ (إنَّ قيد المرأة لا يُنزع، ونيرَها لا يُخلع)، وفي شريعة حمورابي كانت في عداد المُلكية، فهي كالماشية تمامًا، وهي عند اليهود لعنة يجب الاحتراز منها واجتنابها إذ وُجد في توراتهم “المرأة أشدُّ من الموت” وهي عند النصارى لعنةٌ أيضًا.وقد عُقدت مؤتمرات عدَّة وبُحث فيها عن تحديد هوية المرأة أهي إنسان أم لا؟ ففي فرنسة عقد مؤتمر سنة 1281م (أتعدّ المرأة إنسانًا أم غير إنسان)، ونتج عنه (أنَّ المرأة إنسان خُلق لخدمة الرجل)، وعقد مؤتمر ماكون (هل المرأة مجرد جسم بلا روح؟) انتهى بقولهم: “إنَّها خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم ما عدا أم المسيح”ولمَّا قامت الثورة الفرنسية كان شعارها تحرير الإنسان من العبودية، وكانت المرأة غير مشمولة بهذا الشعار، أمَّا عند العرب قبل بعثة محمدr فلم تكن بأحسن حالًا من الشعوب الأخرى، كانت ممتهنة في ميادين شتى “حُرمت من الميراث، كانت جزء من تركة الزوج، و كانت تتعرض للوأد، و كان نكاحها بالاستبضاع و الشغار” ولمَّا بزغ فجر الإسلام حطّم كلَّ هذه القيود والانتهاكات، وحظيت المرأة المسلمة بعناية فائقة، وأعاد لها الإسلام هيبتها وقيمتها الإنسانية، وصيَّرها حرة كريمة، فليست بالكَمَّ المُهمل الذي يثقل كاهل الرجل، بل هما جناحان ولا يصلح المجتمع إلَّا إذا كان جناحاه سليمين، ومع بزوغ فجر الخامس عشر من آذار عام 2011م سطعت شمس الثورة السورية لتشرق بعد طول غياب وطول انتظار، انطلقت المرأة السورية لتقف مع الرجل جنبًا إلى جنب، أبت إلَّا أْن تأخذ مكانها في الثورة، ليسجل لها التاريخ سطورًا، خاصة بعد خروج شباب بلاد الشام ليدافعوا عن دينهم وعرضهم وأموالهم، إنَّنا نجد الشاب السوري بين مهاجر وأسير، وبين جريح وشهيد، فلم يعد يعيل الأسرة إلَّا المرأة نفسها فانخرطت في حياة الكدّ والعمل، لتطعم أطفالها أو أطفال أقاربها وصديقاتها وجيرانها بعد أن بلغ اليُتم مبلغه، وسرعان ما تدخلت الحركات الإنسانية المعاصرة لتزجّ بالمرأة السورية في خضم المهالك، فرفعت لواء تحرير المرأة ولم يجدوا سوى مركب التقليد والموضة لإشباع غرائزهم وإرواء شهواتهم، دونما تفريق بين تقليد يجافي الذوق أو يناسبه، وما لهذا التقليد من حدٍّ أو نهاية، كل يوم يظهر جديد فإلى أين تذهبون؟! وقد تناسوا أن قضية عمل المرأة المسلمة أخذت حيزًا كبيرًا من مساحة حقل الثقافة الإنسانيَّة الإسلاميَّة وأنَّ المجتمع المسلم أصحاب عقول نيِّرة فهم يدخلون كل أمر في معمل الفكر السليم والفقه القويم حتى يعالج وفق الأصل العام الذي أرساه لنا منهج الدين، وأنَّ قضية عمل المرأة يجب معالجتها في ضوء الأصول العامة التي لا يمكن التغاضي عنها أو تجاوزها، ولذلك يبقى حق العمل للمرأة في مساحة محدودة وضمن ضوابط تحفظ عليها أنوثتها وكرامتها، فإذا ما تقيدت بالضوابط الشرعية حفظت حقوقها وصانت كرامتها وكان إنفاقها إرضاء لربها وتحليلًا لأجرها، فعندها حقًا سيسجل التاريخ تاريخًا عظيمًا للمرأة السورية التي أعطتْ وقدمت وضحت وحفظت دينها فحفظ الله لها كرامتها وعزتها، أعزَّها الله بالإسلام وأعزت نفسها به.