حسب آخر إحصائيات أممية فإن نسبة النساء المعيلات لأسرهنَّ في سورية تخطت نسبة الـــ 11,2% خلال سنوات الحرب الأخيرة، وأشارت الإحصائيات إلى أن المرأة السورية باتت تعمل في مجالات مهنية وحرفية جديدة في سوق العمل، كما تؤكد أن عدد الأرامل وصل إلى أكثر من مليون أرملة ماعدا زوجات المعتقلين والمفقودين خلال سنوات الحرب التي حمَّلت المرأة السورية همومًا وأعباء كثيرة تفوق قدراتها على الاحتمال.
إن واقع الحرب الجديد أجبرها على العمل في مجالات متنوعة لم تكن تعرفها من قبل، كسرت فيها قيود العادات والتقاليد الوصاية عليها جرَّاء فقدان المعيل وقلة فرص العمل والوضع المعيشي المتردي لغالبية الأسر السورية.
(علياء الجابر) اسم مستعار 40 عامًا أمٌّ لستة أولاد تعمل ممرضة في إحدى العيادات الخاصة في مدينة إدلب تروي لـصحيفة حبر: ” بعد وفاة زوجي وابني واعتقال والدي وأخي وابني لم يتبقَ لي أي معيل من أسرتي، بحثت عن عمل ولم أجد، ثم تزوجت، إلا أن الوضع المادي لزوجي الثاني لم يكن جيدًا، مما دفعني للبحث مجددًا عن فرصة عمل ولو براتب قليل يسد بعض احتياجات أولادي، لم يكن الأمر سهلًا في بداية الأمر لأنني ووجدت صعوبة في تنسيق عملي داخل البيت وخارجه، إلا أن الحاجة تتطلب المزيد من الصبر والسعي”.
(رانيا.م) 35 عامًا أمٌّ لخمسة أولاد تعمل في ورشة خياطة تشرف عليها إحدى المنظمات في المدينة براتب 75 دولار شهريًا مع تعلم المهنة تقول في حديث لصحيفة حبر: “مع تحرير المدينة قام النظام قبل خروجه بتصفية زوجي ومن معه في سجن إدلب المركزي، لم يكن لدي المال الكافي لإعالة أولادي، زوّجت ابنتي وهي في سن الثالثة عشر من عمرها، وبدأت رحلة البحث عن عمل لسنتين كنت خلالهما اعتمد على بيع السلل الغذائية وما يقدمه لي أهل الخير، ثم عملت في تنظيف البيوت، وحاليًا أعمل في ورشة الخياطة إضافة إلى بيع المونة التي أصنعها لنساء ميسورات الحال في منزلي، والحمد لله وضعي بحال أفضل من ذي قبل.”
إضافة إلى مهن الخياطة والحياكة والتطريز وتصفيف الشعر وصناعة المونة دخلت المرأة السورية السوق التجارية على نطاق واسع، فكانت العاملة والبائعة، فبعضهنَّ بسطنَ بضائعهنَّ في سوق المدينة بأعمار مختلفة متجاوزات العادات والتقاليد في سوق يكتظ بالرجال.
(فاطمة. أ) أربعينية تملك بسطة كبيرة للألبسة المتنوعة في سوق المدينة، تبدو ملامح الشقاء على جسدها ويديها القاسيتين ووجها الأسمر المتعب الذي لدعته حرقة الشمس، فهي تحمل البضاعة وتفرشها بشكل يومي بمساعدة جيرانها من الشباب تقول: ” أنا أعمل في بيع الألبسة منذ زمن بعيد في بيتي إلا أنني قررت بيعها في السوق بعد أن اكتظت المدينة بالمهجرين والنازحين لتزيد أرباحي فأتمكن من إعالة بناتي الأربعة، واحدة منهنَّ تدرس في المعهد الطبي والباقي في المدارس، لا أريدهنَّ أن يعانينَ مثلي فأنا لم أتعلم وكانت فرص العمل قليلة للنساء الأميات. “
مشاهد وقصص تحمل بين طياتها تحديات ومعاناة تواجهها المرأة في سوق العمل في سبيل إعالة أولادها لتعوضهم بعض ما فقدوه خلال فترة الحرب، فكانت تلك التجارب فرصة لاكتشاف قدراتها على العطاء والاستقلال المادي وتمكين نفسها اقتصاديًا بين رجال المجتمع الذي رفض وجودها في سوق العمل لسنوات. فهل سيُسهم هذا التغيير في تعويض ما خسرته في الحرب؟ وهل سيكون المستقبل القادم أجمل لها ولأولادها؟