علي سندة |
يا أيُّها المجتمع هل أتاك حديث (أبي كناية) في التعبير عند استحضار اسم الزوجة على نية التورية والحكاية؟ إذ قال لصاحبه: “أنا البلاغة في مطابقة المقال لمقتضى الحال في التعبير عمَّا للزوجة من أسماء في حضرة الغرباء والأصدقاء.”
إيهِ أبا كناية، أتحفنا بما في جَعبتك، وشنف مسامعنا العطشى للعربية وجمالها، وأيقظ البلاغة من رقادها، وما أخبارك لله درك! يسرد (أبو كناية) أخباره الاجتماعية قائلاً: “والله البارحة كلمتُ البيت” وهنا قصد زوجته، فأنسن البيت وأقامه مقام الزوجة على سبيل الاستعارة، ووجه الشبه عنده أن الزوجة هي البيت وقوامه وأركانه. “وقلتُ للعيال” أي زوجته أيضًا، وهنا حذف كلمة (أم للتورية) ربما مخافة لفظها، فأصل التركيب: أم العيال.
“وصرختُ لحرمتي” وهنا عبَّر عن مدى قداسة المرأة وحرمتها على الآخرين عداه “وقلتُ للأهل” وهنا جعلها السكن والأم والولد، وأخبرت العيلة” لأنها الأصل في وجود العائلة. وكثيرًا ما يعبر عند اضطراره لذكر زوجته في حديث ما بالجمع مستخدمًا صيغة الغائب لزيادة التورية، وما أكثر الأفعال كقوله قُدست بلاغته: “قلتُ لهم، وذهبُوا وطبخُوا، وراحُوا، وجاؤُوا، … “
وإذا أراد البلاغة في تسليم الأمر للزوجة والخضوع لها إما مازحًا أو جادًا قال: “وزارة الداخلية، والإدارة العليا، والقيادة العامة، ومعلمي..” أو يسميها بشيء تختص به كصندوق المال أو الخزينة …
وإذا أراد أن يتجرأ في التعبير عند ذكرها بشيء أقرب إلى الواقع يُعبر عنها بما تُكنى به، فأبو كناية يقول: كلمتُ أمَّ كناية، وأبو صطيف يقول: أم صطيف وهكذا..
إن إحصاء التعابير التي يستخدمها بعض أفراد المجتمع في سبيل عدم نطق اسم الزوجة في سياق حديث ما أمرٌ يصعب حصره ويطول شرحه بتلك الصور البيانية، خاصة إذا علمنا أن الأسلوب عند أبي كناية يختلف عن الآخرين كلٌّ بحسب ثقافته ومشربه وعاداته التي ورثها، فلكل إنسان في التعبير عن الأشياء ثقافته التي يُدخل فيها أسلوبه، وكذلك موضوعه في التعبير.
ولو تساءلنا عن الأسباب التي تدعو للتورية في لفظ شيء متعلق بالزوجة لوجدنا أنها لا شيء! سوى العادات والتقاليد المكتسبة الخالية من أي وجه شرعي أو أخلاقي. فربما مردها الخوف من التلفظ باسمها على أنه عيب عند بعض المجتمعات، ويصل أحياناً ليكون عاراً يغذيه الجهل وكلام الناس وتعييرهم لمن يفعل ذلك.
عندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إلى قلبه لم يُخفِ ذلك ولم يتحفظ على ذكر اسم أُمنا عائشة رضي الله عنها أمام الصحابة بشكل صريح وواضح، ولو كان الأمر فيه أي شبهة شرعية أو مجتمعية رغم بدائية المجتمع يومها وقبليته، لوضحه لنا صلى الله عليه وسلم.
وكذلك العرب قبل الإسلام، فكثير من النساء شاعت أسمائهنَّ وعُرفنَ بها كالخنساء وأم المؤمنين السيدة خديجة، وهند بنت عتبة، وزرقاء اليمامة، وبعض رجال العرب كان لعِظم شأن أمه يتكنَّى بها بدل أن يتكنَّى بأبيه أو جده، كعمرو بن هند ملك الحيرة …
إننا في هذا المقام لا نريد سلخ الآخرين مصطلحاتهم وما يعتقدونه في عدم التصريح عند حاجة ذكر اسم الزوجة، إنما الغاية أن ينزلها منزلتها التي أعطاها الله إيَّاها، فليقل مثلاً: “زوجتي، أو امرأتي” كأبسط تعبير. والحمد لله الذي جعل البلاغة في سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.