عبد الملك قرة محمد
لم يعد عمل المرأة موضوعاً قابلاً ليخوض صراع المؤيد والمعارض له، فقد أصبحت المرأة اليوم ضرورة لنجاح أي عملٍ أكان اجتماعيا أم مؤسساتيا، فلا بدَّ لأي منظمة طبية كانت أو إنسانية أن تضمَّ إلى كوادرها عدداً لا بأس به من النساء لما يميز عملهنَّ عن عمل الرجل.
وفي المجال الإعلامي السوري كانت المرأة محدودة النشاط بل نادرةً جداً قياساً على الإعلاميين الرجال، ومع بروز عددٍ من الإعلاميات اللواتي سطع نجمهنَّ على شاشات التلفزة ووضعنَ بصماتهنَّ على صفحات الجرائد المحلية، استطاعت المرأة أن ترسم صورة مجتمعها بقلمها وصوتها مؤكدةً جدارتها في جميع الفنون الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة وحتى الإلكترونية أيضاً.
وممَّا حدً من دور المرأة في العمل الإعلامي اعتقاد بعض العائلات المحافظة أنَّ عمل المرأة في الإعلام سيعرضها إلى انتقاداتٍ ومواقفَ محرجةٍ لا تليق بها كامرأة، لكن ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المرأة قادرة على القيام بعملها من منزلها دون الحاجة للالتزام بمهام أخرى، فمعظم المؤسسات الإعلامية اليوم في مناطقنا المحررة تقدّر أنَّ للمرأة واجباتٍ منزلية عليها القيام بها، لذلك فإنَّ المرأة تمارس عملها من خلال التواصل مع جهة العمل الإعلامية لا سيَّما في مجال التحرير الإعلامي والكتابة الصحفية.
الإعلامية (سنا صوراني) التي تعمل في مجال التحرير الصحفي والمونتاج وإعداد التقارير المصورة قالت في لقاء لها مع صحيفة حبر: “أحببت الكتابة منذ أيام الدراسة، وبالنسبة إليَّ كأم لأطفال صغار أحبِّذ العمل في المنزل لصعوبة الخروج، ورغم ذلك فقد حاولت تطوير قدراتي في هذا المجال، وتعلمت مبادئ المونتاج وإعداد التقارير، وهذا إنجاز لي في مسيرتي الإعلامية يضاف إليه التزامي بالعمل على الرغم من ضغوط الأعمال المنزلية وتربية الأطفال”
ولعلَّ ما يميِّز عمل المرأة في المجال الإعلامي هو أنَّ المرأة تكون أقرب في التماس مشاكل النساء السوريات، فتنظر إلى النواحي الإنسانية أكثر من النواحي العسكرية، كما يسمح لها بإعداد التقارير المرئية عن المرأة، وهو ما لا يسمح للرجل داخل البيئات المحافظة، لكنَّها بالمقابل قد تواجه مشكلات عدة منها أنَّ المجتمع قد يعطي رأي الرجل ثقلا أكثر من رأي المرأة، لذلك فإنَّ المجتمع العربي يعطي الإعلامي وزناً وقيمة كبرى، وربما تكون هناك إعلاميات أكثر قدرة ومهنية منه، لكن النظرة المجتمعية هنا تلعب دوراً مهمًّا.
وفي ظروف الحرب السورية تحتاج المرأة حماية أكبر من حماية الرجل نتيجة القصف العنيف والعشوائي الذي يمارسه نظام الأسد وروسيا على البشر والحجر.
لكن هل من المعقول أن يقتصر دور المرأة على التحرير الصحفي داخل المنزل؟ وهل يمكن للمرأة السورية في هذه الظروف المأساوية أن تعمل في المجال الإعلامي مراسلة ميدانية تنقل هموم مجتمعها فتكون صوتاً يصدح بهموم الإنسان ويكشف حقيقة الظلم والقمع على مختلف الأراضي السورية؟
المراسلة الميدانية (كريمة السعيد) التي عملت مراسلة ومحررة منذ تخرجها من قسم الإعلام في جامعة دمشق عام 2010 ثمَّ ما لبثت أن انتقلت إلى العمل كمراسلة مع قناة الأورينت الفضائية، وفي مقابلة لها مع صحيفة حبر قالت: “اخترت دراسة الإعلام والعمل فيه لثقتي بأنَّ الإعلام سلطة حقيقية، لذلك فإنّ جلّ اهتمامي ينصب على الحالات الإنسانية والفئات الأكثر تهميشاً كالأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وقضايا المرأة.”
تعمل كريمة في حلب -أخطر مدينة في العالم- منذ ثلاث سنوات، وقد أنجزت مئاتٍ من التقارير الميدانية، إضافة إلى مئات من التقارير التلفزيونية المباشرة، وأضافت كريمة: “اعتبر التزامي بمعايير المهنية رغم الحرب والبحث عن مساحات الحياة في ساحة موت يوميّ إنجازاً لا يضاهيه إنجازٌ آخر”
تحديات كثيرة واجهت المرأة أثناء العمل الإعلامي، لكنَّها لم تقلل من درجة الإتقان الذي تضفيه على إنتاجها الإعلامي، ولم يمنعها ذلك من تطوير قدراتها باستمرار حيث تستطيع المرأة أن تلتحق بعدة برامج ومساقات تدريبية متوفرة بشكل مجاني على منصات التدريب عبر الشبكة، أو يمكنها القيام بدورات متعددة تجريها جهات إعلامية في المناطق المحررة كدورات صحيفة حبر في الفنون الصحفية التي رفدها عدد من النساء الراغبات بتطوير أنفسهنَّ، ويضاف إلى ذلك أنَّ باب دراسة الإعلام فُتح من جديد في المناطق المحررة عن طريق جامعتي حلب وإدلب، وهو ما يمكِّن المرأة من تطوير مهاراتها بمهنية لتكون صورة الواقع وصوت الحقيقة.
1 تعليق
Pingback: Women in Syrian Media: Challenges and Achievements – Translation Portfolio BETA