ليس إطاراً تنظيرياً ما أود طرحه هنا، فبعد حلب صارت النظريات مقيتة جداً، وإنما أحاول أن ألفت النظر إلى حاجةٍ ملحة لدينا بعد انتكاستنا الكبرى التي مُنينا بها، ربما تقينا شرّ الانتكاسات القادمة.
في الثورات والحروب لا يمكنك أن تعتبر نفسك منتصراً إذا لم ينتهِ القتال، كما أن الجولاتِ العديدة لا حساب لها أمام من يمتلك قوة الضربة القاضية، .. وسيل الشعارات والأمجاد والانتصارات الآنية سيبدو تافهاً جداً إذا كان خاضعاً لقوة الأعداء المفرطة، ولم تتمتع بحليف قوي، يؤمن لك كفاءة المواجهة.
ما حصل معنا في حلب شيءٌ شبيهٌ بهذه المعادلة، حققنا انتصاراتٍ آنية كثيرة، أدخلت الغرور لأنفسنا وكأننا أصبحنا قوة عظمى سنستطيع فيها تجاوز ثاني أقوى دولة في العالم ببارودة صدئة وتديّنٍ مزيف وحماسٍ طفولي تجاه الموت والمجازفة.
لم ندرك أننا نجرّ جراً لهزيمة تليق بنا، تليق بقوم من المغرورين الذين لم يتقنوا فن المساومة جيداً مع عدو يتجنب الخسائر الإضافية أمام مصالحه، نسينا المطالب الأساسيّة لثورتنا، ورضينا بجميع من حمّل هذه الثورة غروره ومطالبه الشخصية وجعلناها قراراً وطنياً بعد أن صرنا رجالاته الجدد، لم ندرك اللعبة الدولية التي تجري على أرضنا، وخسرنا الحلفاء والأصدقاء بعد أن اتّهمناهم بتسليمنا، بينما كنا أفضل من سلّم البلاد بكامل الغباء الممنوح لثائرين متعطشين لحريتهم، تعطشاً أعمى، جعلهم يضيّعون فرص المساومة على قليل من المطالب مقابل كثير من الأمل.
ربما في مقالات قادمة سأحاول سرد التجربة بتفصيل أكثر، أحصي فيه الفرص الضائعة، ولكن حتى ذلك الوقت، نحتاج إلى شجاعةٍ منقطعة النظير لنعلن لأنفسنا ممكناتنا الحقيقية ونتوقف عن توهم القوة التي لا نمتلكها، لسنا جبناء، ولسنا ضعفاء، نحن شجعان بما فيه الكفاية لخوض هذه التجربة المستحيلة تقريباً، ولكن نحتاج أن نمتلك عقولاً وبصيرة تجعلها ممكنة، لا أن نعتمد على حماسٍ أعمى، وإيمان خائر يجعلنا نخسر كل شيء دفعة واحدة.
(ثمّ أتبع سبباً) هذه هي الوصية التي قد تنقذ من تبقى.
المدير العام / أحمد وديع العبسي