ينتظر المحللون السياسيون في الغرب اكتمال صورة ما يجري في إيران، ويتوخون الحذر عند ذكر أسباب الانتفاضة الحالية وعند توقع النتائج، لكن تبقى بعض الصور الدالة وبعض الدروس التي يمكن تعلمها من انتفاضات سابقة في هذا البلد ومن تاريخ طويل له في الاضطرابات والتجاذبات، ويبدأ هذا التحليل بصورة استثنائية في شوارع إيران:
انتشرت صورة صادمة التقطها أحد المصورين الهواة بهاتفه النقال تظهر امرأة في طهران نزعت حجابها ووقفت على علبة خطوط الهاتف الأرضي ورفعت الحجاب على عصا.
بدت كأنَّها ترفع راية الاستسلام، لكن إذا أخذنا موقعها الجغرافي بالحسبان في بلد يُفرَضُ فيه الحجاب، فهو تعبير صغير على المقاومة، لكنه جريء، فهو تعبير جسدي عن إحباط جيل شاب من المظالم الاقتصادية وكذلك نقص الحريات السياسية والاجتماعية.
الصورة التي ظهرت الأسبوع الماضي في الوقت الذي انطلقت فيه موجة جديدة من المظاهرات المناوئة للنظام، على خلفية قضايا اقتصادية بدأت في الشمال الشرقي من إيران ثم انتشرت في عموم البلاد، بشكل لم يكن أحد يتوقعه، والآن هؤلاء المتظاهرون الذين استمروا بتظاهراتهم لليوم الخامس على التوالي، أعطوا نشاطهم أبعاداً سياسية، فهم حاليا يواجهون القيادة في طهران للمرة الأولى منذ اضطرابات 2009، ويزعزعون مؤسسات الجمهورية الإسلامية.
تعتبر هذه المظاهرات غير مسبوقة في انتشارها وحدّة شعاراتها منذ الثورة الإيرانية سنة 1979، فهي تذكر بشهور من الاضطرابات التي حدثت ضد الحكومة على خلفية استلام محمود أحمدي نجاد الرئاسة مرة ثانية وسط مظاهرات دامية.
لكن المظاهرات الجديدة التي رفعت شعاراً جديداً هو: “الإضراب الشامل” تطرح أسئلة أكثر ممَّا تطرح إجابات، ما حيّر المراقبين عن كيفية انطلاقها، ولماذا انتشرت انتشار النار في الهشيم، وماذا تعني لمستقبل إيران، كما يوجد فروقات كبيرة بين هذه المرة والاضطرابات السابقة قبل ثمان سنوات.
مظاهرة صغيرة نسبيا غير متوقعة أعطت في مدينة مشهد ثاني أكبر المدن الإيرانية والمعقل الرئيس لمناوئي الرئيس روحاني دفعةً أدَّت بالمظاهرات إلى مزيد من الانتشار، وقال مسؤول حكومي مقرب للرئيس روحاني للغارديان: إنَّ إدارة روحاني تعتقد أنَّ المظاهرات الأولى كانت بتدبير من الأعداء، وأبرزهم أنصار منافسه في الحملة رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي.
وسُمِع هتاف الموت لروحاني للمرة الأولى في مشهد، وبعدها بقليل خرجت الأمور عن السيطرة، فبدأ المتظاهرون يرددون شعارات مثل: “الموت للديكتاتور”، مستنكرين قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي.
وخلال يوم امتدت التظاهرات إلى كرمنشاه غرب البلاد، وأصفهان في الوسط، وراشت في الشمال، وحتى في قم معقل رجال الدين، بالإضافة الى مدن أخرى مثل ساري وهمذان وقاذفين، ومساء السبت ومع اتساع رقعة التظاهرات، خرجت مظاهرة في طهران، وكذلك في شهر الكورد، وبندر عباس، وإيزه، وآراك، وزانجان، وأبهان، ودورود، (في منطقة لوريستان حيث قتل متظاهران على الأقل) وخورامباد، والأهواز والكراج، وتونكابون.
وقال محمد تاغي كروبي نجل زعيم المعارضة الإيرانية الموضوع تحت الإقامة الجبرية: “إنَّ التظاهرات تثبت أنَّ الرغبة في التظاهر ما تزال باقية رغم القمع الذي تعرضت له سنة 2009، وبدلا من إلقاء اللوم على القوى الأجنبية والقول إنَّهم يحرضون الناس على المظاهرات، يجب أن تعلم المؤسسة أن ثمَّة أسباب حقيقية لها من إيران”.
وقال كروبي: “بعد فوز روحاني الساحق في الانتخابات بدعم من الاصلاحيين، خابت آمال مؤيديه لاتباعه سياسة المحافظين، فالإصلاحيون الشباب هم الذين كانوا يبعثون على الأمل في البلاد، أما الآن فهم صامتون، وهذا هو ضعف الحكومة، والناس يئست منهم، وعندما لا يكون أمل في الإصلاح تزداد نقمة الناس”.
الكثير من الشخصيات المرموقة داخل المعسكر الإصلاحي لا يريدون تغيير النظام، ولا تروقهم بعض الشعارات، كتلك التي نادت بعودة الملكية.
مقارنة بسنة 2009 فهذه المظاهرات تفتقر إلى وجود تنظيم محدد لها، ويرى الكثيرون في هذا ميزة؛ لأنَّ الدولة لن تتمكن من قمعها بسهولة من خلال اعتقال الزعيم، فيما يرها البعض نقطة ضعف لافتقارها استراتيجية واضحة للمستقبل.
وحذّر السجين السياسي السابق مصطفى تاج زاده الذي قضى عدة سنوات في السجن بعد اضطرابات سنة 2009 من أنَّ إيران قد تتحول إلى سورية ثانية، ودعا السلطات إلى السماح بالاحتجاجات، وحثَّ المتظاهرين على احترام القانون.
كانت الطبقة الوسطى والنُخب وراء احتجاجات 2009، أما اليوم فالطبقة العاملة تقود هذه الموجة، فهي الطبقة الأكثر تضرراً من المشكلات الاقتصادية في البلاد.
ويقول آخرون: إنَّه من السابق لأوانه أن نفهم تمامًا الاحتجاجات الجديدة، وقال أحد المعلقين: “إنَّها أحجية حقيقية، قد يكون ثمَّة عوامل غير معروفة للأزمة، كالتنافس الداخلي بين مختلف الاتجاهات وخصوصاً مع تقدم خامنئي في السن وبدء التنافس الجَدي على خلافته”.
وعلى خلاف احتجاجات عام 2009 فقد نقلت بعض وكالات الأنباء الحكومية المظاهرات الأخيرة، وليلة الأحد كانت الصحيفة الحكومية أول من نشر صور التظاهرات في طهران، وصرّح رجلُ الدين المحافظ البارز غلام رضا مصباحي مغادام لوكالة إسنا شبه الرسمية: يجب على السلطات أن تستمع للمتظاهرين، وأن تسمح بالتجمعات، ويجب على التلفزيون الحكومي تغطية المظاهرات.
وألقى محمد ماراندي الأستاذ الجامعي في جامعة طهران المؤيد للجمهورية الإسلامية باللوم على السياسة الاقتصادية التي اتبعتها حكومة روحاني، فكانت سبب الاحتجاجات التي انطلقت بعد أسابيع قليلة من إعلان الرئيس ميزانية السنة المقبلة.
وقال ماراندي: “من الواضح وجود مشكلات اقتصادية، فيبدو أنَّ الحكومة تميل نحو تحرير الاقتصاد وزيادة أسعار البنزين ورفع الدعم، في الوقت الذي يتعثر فيه الاقتصاد، ممَّا أقلق الكثير من الناس، وهنا يجب التفريق بين صنفين من المتظاهرين: الأول يتظاهر بسبب الوضع الاقتصادي، والثاني يجنح نحو التغييرات السياسية”.
ويبقى السؤال: كيف ستتعامل إدارة حسن روحاني مع المظاهرات، وهل سيكون هذا التعامل مختلفا عن الوحشية التي اتبعت في عهد سلفه عام 2009، وكما قال ترامب في تغريدة له: “العالم يراقب”.
صحيفة الغارديان
الكاتب: سعيد كمالي مراسل الغارديان في طهران
رابط المقال الأصلي: