تنبثق المعاهد المتوسطة في الداخل السوري المحرر من رحم الثورة كجهة تعليمية هدفها سدُّ ثغرات في الكوادر التدريسية بعدما أَجبرت الحرب العديد من المعلمين على الهجرة خارج البلاد، وقضى الكثير منهم جراء الحرب. ما دعا ثلة من المتخصصين في المجالات التربوية والتعليمية إنشاء معاهد لتخريج كوادر تدريسية تتمكن من تعليم الأطفال الذين افتقدوا لمعنى المدرسة طوال سبع سنوات مضت. خرَّجت تلك المعاهد دفعتين، وكان لهم أثر بارز في مديريات التربية التابعة للحومة السورية المؤقتة في المناطق المحررة، وهم مجهزون بأهم المناهج القادرة على مساعدتهم في تطوير التعليم وأساليبه وتقدم العملية التربوية.
يستيقظ مصطفى 19 عاماً في السابعة صباحاً، يحضر نفسه للذهاب إلى معهده القريب من بلدته في مدينة مارع، وهو طالب في السنة الأولى، قسم معلم صف، يقول: “خرجت والأمل يملأ عيني، حيث بدأت بالفصل الثاني من العام الدراسي، فتوجهت نحو مركز المعهد، لكنني فوجئت بتعليق الدوام فيه حتى إشعار آخر”. رأى مصطفى نفسه في قمة الفشل لا يدري أين يتجه أو ماذا سيفعل، توجه إلى زملائه ليستفسر عن أسباب تعليق الدوام، لكنهم لم يعلموا سبب الإغلاق وهو أمر مجهول.
يكمل مصطفى تحصيله العلمي رغم الظروف الصعبة التي تمرُّ بها المنطقة، فهو وعد والدته أن يصبح معلماً يمكنه من فعل شيء ليصلح ما حلَّ بالمجتمع على طريقته الخاصة. حيث قال: “باتت الأحلام تزول، وأنا في بداية الطريق، كيف لي أن أقدم رسالتي وأنا لم أكمل التحصيل العلمي الذي فقدته لأتفه الأسباب؟!”.
فيما علقت دوامها المعاهد المتوسطة التابعة لوزارة التعليم العالي في الحكومة المؤقتة، خلال بيان نشرته مديرية المعاهد على صفحتها الرسمية تقول فيه: ” يعلق الدوام في المعاهد المتوسطة وفروعها حتى إشعار آخر ابتداءً من يوم الإثنين 12 شباط الحالي، وذلك لأسباب منها عدم قبض المدرسين رواتبهم من 1 شباط 2017م حتى الآن، عام كامل والعمل تطوعي، وتخلي جميع الجهات الرسمية الممثلة بالحكومة السورية المؤقتة والمنظمات الداعمة للتعليم عن دعم المعاهد المتوسطة التي وُلدت من رحم الثورة وانطلقت منذ عام 2013 م ورفعت مديريات التربية بالمحافظات”. جاء ذلك بعد اجتماع عقدته مديرية المعاهد وفروعها يوم الأحد 11 شباط الحالي.
كما التقت “صحيفة حبر” مدير معهد إعداد المدرسين فرع مارع الأستاذ صلاح الخطيب ليشرح سبب تعليق الدوام في المعهد حتى إشعار آخر: “السبب المباشر لتعليق الدوام هو إهمال الحكومة السورية المؤقتة للمعاهد خاصة بما يتعلق بالدعم المالي، فمنذ أكثر من عام لم يتلق المعهد أي دعم سواء كان رواتب للكوادر التدريسية، أو حتى كلفة تشغيلية للمعهد من نقل طباعة المناهج”.
فيما كان المعهد يتلقى الدعم المالي من قبل مؤسسة السنكري للأعمال الإنسانية، لكنها توقفت منذ أكثر من عام بشكل نهائي عن الدعم، ولم تكن هناك محاولات من الحكومة المؤقتة الممثلة بوزارة التربية لتأمين حتى ولو جزء بسيط من الدعم.
وأضاف: “استمر عملنا في الفترة الماضية عن طريق جمع رسوم بسيطة من الطلبة، كما كانت جهات داعمة بشكل خجول جداً، تأمن دفعات تشغيلية بسيطة بين فترة وأخرى، وأهمها مكتب العلاقات العامة في “الجبهة الشامية”، في حين كانت الدفعات لا تغطي سوى أجور النقل وبعض المنح للعاملين في المعهد، وكذلك تغطية نفقات الطباعة.
وأوضح: “تواصلنا مع وزارة التربية التركية في أنقرة بخصوص تبني المعاهد، لكن كان الرد بالرفض حاليا، وأنه ممكن في المستقبل، كما تسبب لنا هذا الأمر بمشاكل كثيرة منها محاولة مسؤولي التربية زعزعة عملنا في مناطق ريف حلب الشمالي، بحجة عدم الاعتراف من التربية التركية على المعاهد المتوسطة، ولو لا الجهود التي بذلناها من خلال التواصل مع الجهات المدنية والثورية في المنطقة لأغلق المعهد.”
وتعدُّ المعاهد أهم المشاريع التعليمة التي انطلقت منذ انطلاقة الثورة السورية رغم تعرض المناطق المحررة للكثير من محاولات التهديد من القوى المتصارعة على الأرض، إلا أنها استمرت بعملها حتى داخل خيمة كما هو الحال شمالي أعزاز.
ونوه الخطيب أن الحل هو تأمين دعم مالي بالدرجة الأولى وتنسيق مع التربية التركية لإيجاد حل بخصوص اعترافها بالمعاهد المتوسطة، كما أكد: “نحن مستمرون بإذن الله، ولن نتراجع عن مشروع المعاهد، وهو طريق فرضه علينا واجبنا الأخلاقي والديني والتعليمي تجاه أهلنا وشعبنا السوري المظلوم”.
وتضمن المعاهد المتوسطة التابعة لوزارة والتعليم العالي عدة فروع موزعة على المحافظات السورية في المناطق المحررة في كل من ” حلب، وإدلب، وحمص، ولبنان” تؤدي عملها منذ عام بشكل تطوعي لا أكثر.
كما يقسم معهد حلب لإعداد المدرسين إلى عدة فروع منها “فرع مارع، وفرع تل رفعت، وفرع عندان، وفرع الأتارب وفرع ريف حلب الجنوبي”، وذلك بسبب تقطع أوصال محافظة حلب، ويعود لإدارة واحدة وهي: “معهد حلب لإعداد المدرسين” فيما بلغ عدد الطلبة في معهد حلب ما يقارب 2000 طالبا وطالبة في كافة الأقسام يتم تدريبهم وتعليمهم طرق وأساليب التعليم بشكل جيد حتى يتمكنوا من سدِّ الشواغر الناقصة في المدارس بالمناطق المحررة، كما تم تخريج 500 طالب وطالبة على دفعتين.